/الصادق حمدين الصادق حمدين [email protected] الطغاة يقهرون، والمستبدون ينكسرون، والمتسلطون يسقطون عندما تتعرض إرادتهم لامتحان إرادة الشعوب التي لا تُقهر. فالشعوب الحرة وحدها هي التي تقرر وتقول للطغاة متى يرحلون. ومخطئ من ظن أن كبرياء الشعب السوداني قد انكسر، وأن كرامته وحريته قد صادرها المتجبرون. فالشعب السوداني حيً لم يمت بعد، رغم خطأ نطاسيو السياسة الفادح في بتر جزء منه، ظنا منهم أن في ذلك إنقاذهم. غدا سيقول الشعب السوداني كلمته فيهم. وهم يرددون قول محرر الهند المهاتما غاندي (عندما أشعر باليأس أتذكر التاريخ وكيف أن الحقيقة والحب كانت تكسب دائما في النهاية. كان هناك طغاة وقتلة، وكان يبدو أنهم لا يقهرون، ولكن في النهاية كانوا يسقطون). أو هكذا كان القتلة والطغاة والمستبدون يعتقدون أن آلة قمعهم الأمنية قادرة علي حمايتهم من غضب ثورات الشعوب، وإن أجهزتهم البوليسية بمختلف مسمياتها ستكون متاريس حصينة، وعاصمة منيعة لهم من سيل الشعوب الهادر. سقط ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي وهو يردد يائسا في آخر خطاباته بأنه بعد عقدين من الزمن قد فهم جيدا ما استغلق عليه من طلاسم العزة، والكرامة، والحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. فهم الديكتاتور متأخرا، أو هكذا ادعي الفهم بأن هناك من بطانته وسدنته من زين له الواقع علي غير حقيقته، ووعد بإنزال أشد العقوبات عليهم ومحاسبتهم إذا منحه الشعب التونسي فرصة أخرى للإصلاح. لم يشفع للطاغية الذي كان يظن نفسه مركزا للكون استجدائه المهين لشعب أذله وقهره كل تلك السنين بأن يظل رئيسا عليهم ولو لساعة واحدة، فلملم في عجلة من أمره حطام وقاره المبعثر وولي الدبر صوب المجهول هائما. الثورات كالعواصف لا تستأذن أحدا، ولا تحتاج من أحد إلي تأشيرات دخول، ولا ينطبق عليها قانون الحجر الصحي حماية للطغاة والمستبدين من مرض فقدان الكرسي المغتصب عندما تريد اجتياز الحدود. كل الذي تحتاجه هو توفر مناخها، وظروفها بشقيها، حتى يسري ترياقها في دماء كل شعوب الأرض التي تعاني فقدان نقص مناعة الديمقراطية، والكرامة، والحرية لتستعيد ألق حياة العزة من جديد. الثورات لا تُستنسخ ولكنها تعمل وفقا لقوانين الثابت والمتغير، فالثابت في كل زمان ومكان هي الشعوب ومشتركاتها المقدسة من حرية، وكرامة، وعزة. والمتغير هي الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تبالغ في حماية نفسها من غضب تلك الشعوب. لم تمض أيام معدودات حتى سقط ديكتاتور آخر، سقط وهو يردد في آخر خطاباته إنه وبعد ثلاثة عقود عجاف قد فهم الدرس، وأن مطالب الشباب سوف يُستجاب لها أشار في خطابه إلي الشباب في اختزال مخل بأن هذه الثورة الغاضبة تخصهم وحدهم دون سائر الشعب المصري حتى يتم ضربهم وعزلهم . وجاءه الرد سريعا من الشعب المصري كله بأن يرحل وحسب. وفهم ديكتاتور مصر أخيرا وبعد فوات الأوان أن الأنظمة والحكومات تستمد قوتها بالرضا الشعبي عنها وليس من التمترس خلف ترسانة الأسلحة، والقوات متعددة المسميات والوجوه، والمجنزرات وغيرها من أدوات البطش والسحل والقمع. فهم الطاغية أخيرا أن نظامه قد تهاوي، وأن عقد الإذعان الذي وقعه مع الشعب المصري بالإكراه قد انتهي. ولم تفلح تلك اللوحة السريالية الدموية العصية علي القراءة والفهم التي امتزجت وتداخلت خطوطها وألوانها بالخيول، والجمال، وربما \"حميرا\" لم تروها، تدعمها المروحيات، وطائرات الأف ستة عشر، وسيارات يقودها الخوف والجنون، لم يفلح كل ذلك في كسر إرادة الشعب المصري لإرضاء كبرياء الطاغية الجريح بأن يظل رئيسا عليهم لأيام معدودات، فحمل جراحه مهزوما وانتبذ ركنا قصيا من إمبراطورية كانت كلها بالأمس القريب من ضمن أملاكه الخاصة. إن الطغاة لا يقرؤون التاريخ أبدا، وإذا قرؤوه لا يفهمونه، ولا يأخذون منه العبر، ولكنهم يقرؤون ويفهمون فصلا واحدا منه فقط، وهو تاريخ \"جُحا\" وما أدراك ما \"جُحا\" الذي ظن واهما بأن الحريق لن يطاله طالما ظل بيته بعيدا وفي مأمن منه. ليت الطغاة يفهمون أن الحرية والديمقراطية عدوى سريعة الانتقال بين الشعوب، كالذي حدث بين شعوب أوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأقصى، والذي حدث وما يحدث الآن في أفريقيا، والشرق الأوسط. وغدا سوف يأخذ الشعب السوداني زمام المبادرة، مستلهما الثورة علي جلاديه وسارقي قوته وحريته من تجاربه الذاتية، ومن مخزون تاريخه الخاص، مستمدا إرثه الثوري من ثورتين أزاح بهما اعتي الديكتاتوريات، في وقت لم يكن هناك \" فيسبوك\"، ولا \"أس أم أس\"، بل كان كل الشعب السوداني داخل شبكة الوطنية يستمد تواصله من ترددات عشقه للحرية، والديمقراطية، وحياة العزة، والكرامة. غدا وبعد فوات الأوان سوف يفهم الطاغية عمر البشير وزبانيته أن الشعب السوداني لا يمكن إرهابه وتخويفه بآلات القهر والقمع، وإن قوات الأمن، وأمن الأمن، والمليشيات، والجيوش العقائدية، والقبلية لا يمكنها سد قرص شمس الحرية لحمايته وحماية نظامه الآيل للسقوط. غدا سيدعي الطاغية البشير بأنه قد فهم الدرس، وبأنه يريد فرصة أخرى للإصلاح، وسوف يأتيه رد الشعب السوداني واضحا وسريعا أن الشعوب لا تعطي من يذلها فرص أخرى.