[email protected] . أوضحت الثورتان التونسية والمصرية مقدرة الشاب علي الفعل الاجتماعي السياسي تعبئة وتنظيما وممارسة أثمرت إبعاد راسي اثنين من أكثر النظم قمعية في العالم العربي. فمن أين جاء هؤلاء الشباب. إننا نزعم أنهم أولاد العولمة.( أولاد هنا تعني أولاد وبنات). فالعولمة ليست مجرد زيادة في الاتصال الثقافي والاقتصادي فقط وإنما عملية اجتماعية تؤثر في المكونات المختلفة للبناء الاجتماعي. وعندما نصفها بأنها عملية اجتماعية نعني أنها تحمل قيما ومعايير اجتماعية محددة تؤثر بشكل أو آخر في المتلقين لها غض النظر عن الزمان والمكان. يحلو للبعض وصف العولمة بأنها \"أمركة\"، قد يكون هذا صحيحا لكن بشكل جزئي. فالعولمة ليست فقط ماكدونلاز ولا كوكاكولا لكنها تحمل العديد من قيم الحرية والليبرالية والمساواة والعدالة الاجتماعية وهذه قيم إنسانية أنتجتها البشرية في تاريخها الطويل وهي أقدم كثيرا من الولاياتالمتحدة نفسها. أتاحت العولمة وعن طريق ما وفرته من وسائل اتصال متنوعة وفعالة إمكانية سهولة التعرف علي هذه القيم والتعرف علي طرق حياة وظروف اجتماعية ومستويات معيشة لمجتمعات بشرية خارج العالم العربي. كما وفر الواقع إمكانية المقارنة المباشرة والتي أفضت إلي أن يتساءل الشباب أين نحن وأين الآخرين؟. ينظر الشباب فيرى واقعا مزريا لخص نسخته السودانية الأستاذ خال التجاني خير تلخيص عندما كتب \"وهكذا أصبحت خارطة طريق الثورة أكثر من واضحة، حكم متسلط تطاول عمره ووهن عظمه، حزب حاكم يهيمن على الأمور تحت عباءة ديمقراطية مزيفة، ومظهر للحرية يمنح ويمنع حسب مزاج الحكم لا يعدو أن يكون من باب «حرية الهوهوة» على منطوق المثل «الكلب ينبح والجمل ماشي»، انتشار الفساد واحتكار السلطة والثروة للمحاسيب، اختطاف مؤسسات الدولة لصالح المحظوظين من ذوي النفوذ، ويصبح الشعب ضيفاً في بلده، ثم يصبح ضيفاً ثقيلاً على السلطة فلا تأبه باحتياجاته الأساسية\" خالد التيجاني النور، صحيفة الصحافة، 17 فبراير 2011م. تساءل الكاتب الحصيف عبد العزيز حسن الصاوي\" ما هو حظ شبابنا من فرص الوعي الديمقراطي - الاستناري التي إتاحتها الظروف لشباب مصر ؟ هذا سؤال يجب أن يشغل اهتمامات مفكرينا السياسيين والملاحظة المقلقة بصدده هي أن معظم من تتوفر فيهم مولدات الخصائص الديموستناريه المشار إليها من شبابنا، وهم أقلية ضئيلة، يأتون من خلفيات أسريه إسلامية بحكم حدوث التراكم الرأسمالي مرتبطا بصعود الإسلام السياسي، بينما الأغلبية الساحقة من شبابنا مسحوقون معيشيا ويتخرجون من نظام تعليمي مؤمم دينيا كلية منذ عشرين عاما وجزئيا قبل ذلك.\" صحيفة سودانيل الالكترونية. بمعني أخر هل تشكل في السودان ما أسميناه أولاد العولمة؟ نستطيع أن نقول وبكل اطمئنان نعم. فعلي الغم من المحاذير التي أشار إليها الأستاذ الصاوي من أنواع القمع الاقتصادي والثقافي والتعليمي إلا أننا نزعم أن في المجتمع السوداني إرثا ديمقراطيا ارسخ في الذاكرة الاجتماعية ربما من مصر وتونس. فرغم كل أشكال القمع لم تمت جذوة الرغبة في التغيير الديمقراطي لدي شباب السودان هنا يمكن أن نشير إلي الأنشطة المتنوعة. فمن حيث التنظيم تضم الأحزاب السودانية القائمة قوي شبابية مقدرة كما ظهرت حركة قرفنا مثلا وهي حركة شبابية الطابع ومن حيث الممارسة ظلت الاحتجاجات الطلابية والشبابية متواصلة طيلة فترة حكم الإنقاذ. أما عن أن ظروف الاستنارة متوفرة بصورة أكبر لأبناء الأسر الإسلامية يكفي أن نشير إلي بين معتقلي المظاهرات الأخيرة أحد أبناء إسلامي شهير. فأبناء الأسر الإسلامية هم أيضا أبناء عولمة. كما أن إلقاء نظرة سريعة علي مواقع التواصل الاجتماعي علي الانترنت عالمية كانت أو سودانية تظهر الوجود الفاعل للشباب السوداني التواق للتغيير والقيم الديمقراطية. نشير إلي حيوية أشكال التنظيم والفعل السياسي تتجاوز الأطر السياسية القائمة حكومة ومعارضة. وهو ما نود أن نلفت له نظر الأحزاب السودانية القائمة. وقد أدرك حزب المؤتمر الوطني هذه الحقيقة فمنذ انتصار الثورة التونسية دخل قادته في حالة اجتماعات متواصلة مع الشباب، الطلاب، الخريجين والعساكر كما قامت الحكومة وفي الزمن الضائع بإنشاء العديد من الصناديق المتخصصة من أجل سد منافذ الاحتجاجات والثورة. كما نشير إلي بعض المخاطر التي تكتنف عمل وانجازات أولاد العولمة وهي مخاطر تتعلق بالقيادة. فقد اتضح من التجربتين السابقتين ( المصرية والتونسية) والتجربة الليبية المتواصلة الآن بط عملية إبراز قيادة موحدة تتيح إمكانية سرعة التحرك واتخاذ القرارات. وهو ما نأمل تجنبه في الحالة السودانية عندما ينادي المنادي. العولمة عملية اجتماعية مستمرة لن تتوقف ويكفي أن من حسناتها جعلت الثورة الفرنسية ( 1789م) كأنها تحدث الآن.