الآن عرفنا سر الكِسرَة..!!! صلاح عووضة إبان حقبة الديمقراطية الثانية حسبما أخبرني أستاذنا إدريس حسن كان الجنيه السوداني يعادل من الجنيهات الإسترلينية ثلاثة أو يقل قليلاً.. وكان الوضع الإقتصادي يماثل أوضاع دول من حولنا أضحت غنية بعد ذلك أو يزيد كثيراً.. وكان نفط مشروع الجزيرة الأبيض أي القطن هو الأشهر من نوعه في العالم بتيلة له تتسامى طويلاً.. ورغم ذلك يقول الأستاذ إدريس دعا وزير المالية آنذاك الشريف حسين الهندي إلى إنتهاج سياسة تقشفية يكون الوزراء والمسؤولون والتنفيذيون فيها هم القدوة.. فكانت الخطوة الأولى في إطار تلك السياسة هو إكتفاء الوزراء هؤلاء بسيارة واحدة لكلّ منهم من طراز (همبر).. ولمن لم يسمع بهذا النوع من السيارات نقول إنها إنجليزية الصنع (إنقرضت) في نهاية الستينيات من القرن الماضي.. في ذلك الزمان الديمقراطي لم تكن تُرفع شعارات تدعو إلى التأسي بالسلف الصالح في الزهد والتقشف وكبت الشهوات.. وكذلك في الديمقراطية الثالثة لم تُرفع مثل هذه الشعارات ولكن ظلت روح سياسة الهندي التقشفية هي السائدة.. ويكفي دليلاً على ذلك أن كثيراً من المتنفذين والتشريعيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء نفسه الصادق المهدي تنازلوا عن حقهم في (التمتع) بسيارات الدولة الفارهة ومنازلها الفخيمة مادامت سياراتهم ومنازلهم الخاصة تفي بالغرض.. ثم جاء زمان الإنقاذ بشعاراته الإسلاموية التي من بينها شعار الإقتداء بالسلف الصالح في الزهد والتقشف وكبت الشهوات تجاه مباهج الدنيا الزائلة.. وجاهر نفر من قادة الإنقاذ بزهدهم في فارهات الدولة وقصورها وامتيازاتها بما أنهم (ما لدنيا قد عملوا هم للدين فداء).. وبما كذلك أن سلطتهم التي استولوا عليها بالقوة (هي لله لا للسلطة ولا للجاه).. ثم حدث ما كان يخشاه كبيرهم الترابي حسبما قال من غلبة شهوة السلطة على تلاميذه بعد طول (حرمان).. فالذين قالوا منهم إنهم لن يبرحوا منازلهم التي كانوا فيها قبل (التمكين) طفقوا يتسللون خلسة من بيوتهم هذه صوب السرايات.. والذين قالوا منهم إن سياراتهم الخاصة تكفيهم أخذوا يقتنون بدل الواحدة مثنى وثلاث ورباع.. والذين قالوا منهم إن الامتيازات (الدنيوية) لا تعنيهم في شيء شرع بعضهم بُعيد (التمكين) في التطاول في البنيان.. ونظير الشريف الهندي في أيامنا هذه هو علي محمود محمد.. وعلي محمود هذا للعلم هو الذي طالب الناس بالتهيؤ لأكل (الكِسرة) عقب استلام منصبه كوزير للمالية.. وقال - تبريراً لذلك - إن البلاد قد تكون مقدمة على ضائقة اقتصادية جراء الانفصال وذهاب النفط.. ولو كان الشريف موجوداً رحمه الله لقال لمن يجلس على الكرسي الذي كان يجلس عليه هو يوماً متسائلاً: (وأين النفط الأبيض؟!!).. وبما أن علي محمود قد لا يجد إجابة (منطقية) على هذا السؤال (المشروع) فربما أمر أفراد أمنه الخاص بأن (يفعلوا في) هذا (الحُشَِري) الشيء نفسه الذي (فعلوه في) زميلنا المحرر الاقتصادي بصحيفة (السوداني).. فزميلنا هذا كان (حُشَرِياً) أيضاً في نظر وزير المالية وهو يفاجئه بمستند أبعد ما يكون عن سياسة التقشف التي قال إنه سينتهجها تمشياً مع مبادئ نظامه (الإسلامي).. مستند يحمل توقيع الوزير نفسه يقضي بأن ينال مدير سوق الأوراق المالية أجراً شهرياً قدره ثمانية عشر مليوناً من الجنيهات (مليون ينطح مليون).. والمليون نفسه هذا الذي كان قد (كشّ) من قبل بحذف الإنقاذ للأصفار (كشّ) مرةً أخرى ليصير ألفاً.. فقيمة عملتنا الحالية ليست حقيقية كما كانت في أيام الشريف حسين بمثلما أن ميقاتنا الزمني نفسه أضحى غير حقيقي بفعل قرار البكور. فالإنقاذ (مشاترة) في كل شيء.. ولكن (شتارتها) التي تعنينا هنا هي المبالغة في التمتع ب(الميري) رغم زعم قادتها بادئ الأمر أنهم سيحيون سنة السلف الصالح في الزهد والتقشف والبعد عن ملذات الدنيا.. فأيهم بالله عليكم أقرب إلى روح السلف الصالح.. الذين (سلفوا) من رموز الأنظمة الحاكمة في السودان؟!.. أم الذين (خلفوا)؟!.. وأيهما الذي تتسق ولايته على المال العام مع نهج الصحابة: الشريف حسين الهندي؟!.. أم علي محمود؟!.. والآن عرفنا لم نحن موعودون بأكل (الكِسرَة!!!). اجراس الحرية