زمان مثل هذا أحتفظ بحق الرد الصادق الشريف ما زال الناس يذكرون تفاصيل ذلك اليوم العجيب.. الذي خرج فيه حسن سحلية عن طوره.. ومازالوا يردُّون على بعضهم البعض وفي مختلف المواقف بسخرية شامتة (أنا أحتفظ بحق الرد). حسن عثمان الشهير بحسن سحلية كان رجلاً نحيلاً.. قليل الكلام.. ساخراً حين يتكلم.. كان يسخر حتى من نفسه.. يحفظ بيت الشعر الذي سخر فيه المتنبئ من نفسه (كفى بجسمي نحولاً أنّني/ رجلٌ لولا مخاطبتي إياك لم ترني). وعلى النقيض تماماً كان نعمان رجلاً طويلاً.. وإلى البدانة أقرب.. كثير الكلام.. يؤلف الروايات والبطولات الزائفة عن نفسه. يصل به الزيف أنّه يسمع القصص من أصحابه.. ثمّ يحكيها هو لآخرين على أنّها حدثت له.. ومن عثرات حظه أنّ قد يحكي القصة لمن قصها له. كان يوماً صائفاً.. شديد الغيظ.. ذلك اليوم الذي جمع رجال الحي تحت شجرة النيم الوحيدة في ذلك الشارع الضيق المتسخ.. تجمعوا واحداً تلو الآخر مباشرةً بعد أن قطعت الكهرباء. تطورت الأحداث بسرعة، بعد أن بدأ النعمان في حكاية قصصه الزائفة.. ووصف أحد أبطال قصصه الجبناء بأنّه يشبه حسن سحلية. حين سمع سحلية الوصف قفز كمن لدغته عقرب.. وكال (البلنجة) الأولى.. وتوالت (البلنجات) على النعمان.. الذي فوجئ هو نفسه كما فوجئ كلُّ الحاضرين بما فعل سحلية. وأعقب ذلك ب(بُنيه) أخرى.. وشلوت.. و.. وتدخل الناس، وفضوا العراك بين الرجلين.. والذي على وجه الدقة لم يكن عراكاً.. لانّه كان من جانب واحد. مسح النعمان العرق الذي سال على جبينه، ونظر من فوق كتوف الرجال إلى سحلية وقال له بصوتٍ قوي (الرجال ما بغدروا.. الرجال بجوا عيني عينك.. وبعد دا.. أنا بحتفظ لنفسي بحق الرد). العبارة الأخيرة لدغت سحلية مرةً أخرى.. فطاح بالرجال الثلاثة الذين أمسكوا به.. وقال وهو يخاطب النعمان (هاك إحتفظ بي دي كمان).. ولكم النعمان في وجهه لكمةً سمع الرجال دويُّ صوتها عبر آهات النعمان.. الذي حينما رفع رأسه كان الدم يتدفقُ من فمه. وبصق الدم.. وبصق معه شيئاً قوياً مثل حبة الفاصوليا النيئة.. فإذا باثنين من أسنانه العلوية قد تكسرتا تماماً.. وأصبح مكانهما فارغاً.. يسيل منه الدم. صاح النعمان (يا ود ال...، أنا ما ح أخليك.. واحد فينا ح يمشي القبر.. والتاني يمشي السجن.. لكن ليك يوم.. وأنا بحتفظ لنفسي بحق الرد في اليوم داك). العقرب لدغت أعصاب سحليه مرة أخرى، وحاول أن يهاجم خصمه، لكن الرجال فطنوا للأمر واحتاطوا له، منذ أن بدأ النعمان يتكلم، وحينما وصل إلى حكاية (حق الرد) قفز الرجال جميعهم في اتجاه سحلية، يمسكون به من كلِّ جانب. قال أحد الحاضرين للنعمان (يا أخي رد شنو؟؟ إنت مطرطش؟؟.. حق الرد الأول كلفك سنونك.. تاااااني تقول حق الرد؟؟.. لو كنت سكتَّ كنتَ احتفظت بسنونك.. تالله والله تاني تقول حق الرد إلا نمشي بيوتنا ونخليك لي سحلية دا.. يقطعك ويبيعك بالتسعيرة.. قال حق الرد قال). التيار