زمان مثل هذا البرلمان.. والتهريج الصادق الشريف لا بُدّ في مقدمة هذا المقال أن نُقدِّم الاحترام الكامل لأعضاء المجلس الوطني.. فالاحترام هو الرسول الذي يجب أن يربط بين السلطات الأربعة (التنفيذية والتشريعية والقضائية والصحافية). لكن ما تناقلته الصحف عن جلسة البرلمان (الأحد الفائت) والتي تداول فيها النواب مطالبات بعض رصفائهم بالكونغرس الأمريكي.. لا يمكن أن تخرج عن إطار التهريج.. (رأيكم شنو في رصفائهم الأمريكان دي؟؟؟). أعضاء البرلمان الكرام طالبوا الحكومة (حكومتهم) بمبدأ (المعاملة بالمثل) مع الحكومة الأمريكية ومع الكونغرس. وكان ذلك ردُّ فعلٍ لجلسة كونغرسية دار فيها حديث عن اعتراض طائرة الرئيس البشير أثناء زيارته لجمهورية الصين. وحتى لا نلقي الكلام على عواهنه.. وحتى نكون أكثر دقة في الوصف.. فسوف نستعين بمعاجم اللغة لنُبيِّن معنى كلمة تهريج (هَ رَ جَ : مصدرها هَرَّجَ. وهرَّج: بمعنى أحدث فوضى، وهرّج أيضاً بمعنى أحدث تشويشاً واضطراباً، ولَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ التَّهْرِيج أي لم يتوقف عن إحداث الفوضى والتشويش). النواب الكرام طالبوا بمبدأ المعاملة بالمثل في حديثٍ عن مطالبة نواب كونغرسيين باعتراض طائرة الرئيس البشير، ولا يمكن بالطبع أن نفهم أنّهم يطالبون باعتراض طائرة الرئيس أوباما والتي تُسمى (Air Force One) والاسم أكثر وضوحاً، فهي أكثر من مجرد طائرة رئاسية مدنية. ولكن سنفهم بقية الحديث الذي قالوه عن (زيارة الأمريكان لأرض السودان).. وعدم مقابلتهم لرئيس الجمهورية.. مع مقابلة من هم دونه. لا شك أنّ هذا الأمر ينتقص من السيادة الوطنية التي ظلت الإنقاذ تقول إنّها قد أعادتها إلى الوطن بعد أن اغتربت وضاعت في الآفاق. لكن من الواضح أيضاً أنّ الرئيس نفسه يسمح بذلك، أي يسمح لمرؤوسيه من وزراء ومستشارين بمقابلة الأمريكان المبعوثين والمبعوثات.. ولو أنّه رفض لهم المقابلة لما استطاع أحدٌ منهم مجرد أن يمد يده لمصافحتهم.. وكلنا نعلم طبيعة الأجواء التي يعيش فيها هؤلاء المرؤوسين!!!. فهل سأل البرلمانيون الأعزاء أنفسهم عن السبب؟؟.. لماذا يسمح الرئيس البشير لمرؤوسيه بمقابلة خواجات رفضوا مقابلته هو شخصياً (ولا أدري هل سوزان رايس خواجية ولا أمريكية ساكت!!!). الإجابة أوضح من كبري النيل الأبيض حينما تنظر إليه من أعلى البرلمان.. وهي أنّ هناك مشكلات حقيقية تواجه هذا البلد (المسحور). وهي مشكلات أدخلت فيها الحكومة نفسها وشعبها (مع أنّ الشعب وحده هو الذي يدفع ثمن تذاكر الدخول)، وحينما أرادت الخروج.. وجدت أنّ أمريكا قد استفردت بالعالم.. وسدَّتْ الأبواب.. ولن يتمّ الخروج إلا بإذنٍّ منها. والحكومة تحاول الخروج جاهدةً بإرضاء واشنطن بنيفاشا.. وأبوجا.. والاستفتاء.. والانفصال.. وعدم مقابلة الرئيس. لكن حينما يأتي أعضاء البرلمان ليطالبوا بمبدأ التعامل بالمثل، فإنّهم يُشوِّشون على الحكومة في محاولاتها الدؤوبة للخروج من المأزق.. ودعواتهم هذي لا يمكن وصفها بشيءٍ سوى.. التهريج. التيار