[email protected] هل هبط اليأس على السودان عندما كنت صغيرة إعتدت أن اسمع من أحد أقاربي بإستمرار أن المال و الجمال عندما نزلا على الارض قال الله لهما إذهبا الى بلاد الشام، وعندما نزل الدين و العلم أمرهما الله بالذهاب إلى مصر أما القنوط و اليأس فأمرهما بالهبوط على السودان، لم أكن أهتم بكلامه هذا وأحياناً كنت أغتاظ من حديثه كثيراً وأتعجب من أين جاء بهذا الحديث و ما هي مصداقيته؟ وجدتني في الآونة الأخيرة أفكر فيه فقد يكون فيه شئ من الصحة......... فعندما أسال الطلاب عن خططهم للمستقبل ومشاريعهم فالأجابة الجاهزة وسريعة هي أنهم يريدون السفر خارج السودان للتحضير أو العيش هناك ولا يملون أبداً من شتيمة البلد و السودانيين، وأنا أيضاً أملك إجابة جاهزة فأرد أن هذه خصال سيئة فينا أن نرى مسأوئ بلدنا ولا نرى حسناتها أن نعطي أنفسنا قيمة أعلى من قيمة بلدنا ولا نرى سيئاتنا ، أن نرى كل الدنيا جنة ما عدا بلدنا المسكينة فهي جحيم الله في الأرض، أقول لهم أن المكانة التي لديكم هنا وسط أهلكم وناسكم لن تجِدوها في اي مكان ، سوف تعملون أضعاف ما تعملون هنا وتجتهدون لغيركم ولن يستفيد الوطن منكم شيئا، هل جزاء والديكم أن تحرموهما وجودكم معهما بعد أن تعبوا و صرفوا دم القلب عليكم ؟، هل جزاء البلد أن تفروا منها و تعطوها ظهوركم و هي التي أعطت حتى وإن كان العطاء قليلاً أو معدوماً من وجهة نظركم؟........ عندما أجالس الكبار وفي أي إجتماع خصوصاً مع أجانب لا يملك الكبار إلا أن يسيئوا لوطنهم ويذكروا المساوئ و طبعاً لا يفوتهم التعريج على سوء الجو والترابات ليعطوا الآخرين إحساساً انهم بريئين من هذا السوء وأنهم بمنزلة أرفع من الوطن وأحواله !!!!! لا أيها الشطار هذا بلدكم ولن تفروا منه ولن تستطيعوا التملص منه ولا يوجد على الارض غيركم من يسيئ إلى وطنه ويذكرها بشر!!! هيا إمسكوا المنفضة و نفضوا عن وجه الوطن هذا الغبار ، أجتهدوا قليلاً لغسل القذارة التي علِقت على وجهه ..... كلنا مسثولين وجميعنا أساء لوطننا بطريقة او بإخرى..... نعم اسأنا أليه بالتملص منه أسانا أليه بالتخلي عنه أساءنا أليه لأننا نريد أن نفر بعلمنا و معرفتنا منه أساءنا اليه لأننا لم نصير قدوة حسنة للأجيال القادمة أساءنا أليه لأننا لم نخاف الله فيه و في ناسِه أساءنا أليه لأننا لم نحاول ان نحبه وان نجتهد في معرفة أدوارنا تجاهه او تجاه أنفسنا...... الجميع صاروا ضحايا علماء المغصولوجي (علم المغصة ) أي ضحايا اعضاء الحكومة و آخرون من أفراد الشعب تفننوا في الكيد لخلق الله.... حتى كره الكثيرون البلد و الدول المجاورة فقرروا التخلي عن البلد و الطفشان. نعم ذنب البلد في رقاب هؤلاء العلماء إلى ان تقوم الساعة ولكن هذه الحياة معركة فإن فررنا من واحدة فسنقاتل في ساحةٍ أُُخرى ؛إذن علي كلِ منا الألتزام بمعارك أرضه على الأقل لينتصر لوطنه و لنفسه بالبقاء فيه ، كان الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام عندما يعود من معركة يقول :( عدنا من الجهاد الأصغر للجهاد الأكبر) في الجهاد الأكبر أعداءنا كثر وغير واضحين يجب البحث عنهم ، ضرب لنا الرسول الكريم مثلاً في الجهاد و التفاؤل والالتزام بالوطن والرسالة فلم يسئ أبداً لإهله ووطنه بل أراد لهم الخير على الدوام حتى عندما اراد المَلَك الموكل بالجبال أن يطبق الاخشبين على أهل الطائف نِكالاً لهم على سوء معاملتهم له عفا عنهم و هو الذي أُُرسل إلى أكثر امم الأرض جهلاً وقسوة.... البلد تبنى بسواعد أبناءها كان من صفات السوداني الأصيل \" اخو الاخوان ، عشى البايتات ، شيال التقيلة، ابو مُروة و غيرها \" أين نحن من هذه الصفات هل أكلتها الحكومة أيضاً!؟ الأوطان لا تبنى بالحكومات فقط بل بتضحيات أبناءها ، هل يعقل أن كل الذي يحدث من نكران شماعته هو الحكومة؟! قابلت أحد الاطباء الاندونيسيين وهو من كبار الأطباء في بلده سِناً ومكانةً فسألته لماذا زوجته أصغر منه كثيراً فرد بانها زوجته الثانية وقد طلق الاولى بعد أن تزوج أخر أبنائهما ،وكانا قد إكتشفا بعد سنين قليلة من زواجهما أنهما لايستطيعان الإستمرار؛ فاتفقا أن يبقيا معاً من أجل أسرتهما ومن أجل أنهما كانا يشاركان في بناء وطنهم في تلك الفترة فكان لا بد أن يستمرا كفردين داخل مؤسسة تحتاج لجهودهما المتكاملة وليس زوجين.... هكذا تكون التضحيات وهكذا يكون الإحساس بالوطن ككيان أهم وأكبر من كيان الأفراد وبالذات اليائسين منهم (البكا بحررو اسيادو والايد الواحدة ما بتصفق) .... هنا تكمن الإجابة على السؤال \" لماذا لم تقم ثورة حتى الآن بالسودان ؟\" لأن اليأس تمشّى إلى قلوبنا ولأن الشعب يُريد عِلاج الوطن بجرعات حب وإحساس بهذا المسكين...فأولاً نريد تغيير المواطن (لا يُغير الله ما بقومٍ حتَى يُغيروا مآ بانقُسِهِم ) وتنمية الإنسان وبعد ذلك يمكننا أن نُطالب بقوة عين بتغيير النظام وطربقة عروشه على رأسه، ساعتئذٍ فقط يمكننا الأخذ ، أخذ عزيزٍ مقتدر بناصية الوطن المحبوب ...... الوطن مصاب بالشيزوفرانيا! الشيزوفرانيا (حماكم الله ) داء يصيب العقل وترجمته فصام العقل أي تأرجحه بين الوعي و التوهان في الخيال وما تسبب بهذا الداء هم أبنائِه فصار يهيم في عوالم النكران و النفوس المريضة وعندما يعود لوعيه يجد البقية تسرق ثرواته و ممتلكاته أما الذين حزنوا من أجلهِ فلم يستطيعوا أن يداووا دائه وكل ما فعلوه هوالتباكي عليه ، لقد كان شاباً قوياً عزيزاً\" كان قعد ينشاف وكان وقف ينخاف \"،نقي السيرة وابيض السريرة ، فارع الطول مليون ميل واخضر قيافة لم يبق منه إلا جسد منحول وملابس متسخة بهباب تاريخ رذيل .....اما روشتة علاجه فهي العمل...العمل ثم العمل.... وأهم شئ هو أن نشوفه بقلوبنا (العين ما بتشوف بشوف القلب )...عدنا من ماليزيا قبل أيام وفي المطار قابلنا قريب لنا قال له إبني ذوالثماني سنوات مدفوعاً بشوقه لبيته واصحابه:(شفت البلد جميلة كيف) (البلد ياتا ؟) :(بلدنا ) :(يا زول إنت ما نصيح بلدك شنو الاسمح من ماليزيا؟! ) الصغيريرى وطنه بقلبه أما الكبير فينظر لها بعينيه وطني الموغل في السرمدية واللا نهائية علم المنطق و محيط الدائرة الجغرافيا والتاريخ وشتلة حِنة في أرض المحنة ورجوع العافية لِمورود وطني حبيبي الاول كتابي و الدرس الاول ونيمة قديمة في شاطي النيل رسمنا خِطوط تحت اغصانا ولعبنا الحجلة الاولى وطني إنكسار الفرح على عين طفلة ليهطل مطر العيد ويتششتت قوز قزح مع تكبيرات الصلاة وطني حنان امي و وقار ابوي وطني ريحة اللبن وهو يغلي على الجمر ونحن نتحلق حوله ننتظر الشاي من إيد أمي وطني ريحة الدعاش و أقدام صغيرة تقفز بقوة على بِرك الماء تغني \" يا مطيرة صُبي لينا في عينينا\" وطني وشوشة القمر بوبا لعقد الجلاد بعنق عروس تشرب من توتيل و تنام على سفح التاكا وطني حلقات الذكِر وتقابة الخلاوي وجلباب درويش يدور في وجدٍ وعِشق مع كلمات تمدح خير الأنام على دقات الطبول وطني صرخة الحي ووب وهي تنطلق لحظة فِراق عزيز وغُصة لم تُبارحنا منذ رحيله وطني شموخ مملكة علوة وكوش كلمات التيجاني ، الهادي وإدريس الشاشاي والمردوم الكِرن والهبباي حنجرة احمد المصطفى، وردي و الكابلي و شمس الصباح والصباح رباح شمسك يا وطني أهلي الفصاح أرباب الصلاح اهلك يا وطني طعم النجاح الزان كفاح طعمك يا وطني إنت عندي كبير وحبي ليك كتير وطن بالفيهو نتساوى نحلم ، نقرا نتداوى لا العمارات السوامق ولا الاسامي الأجنبية تمحى من عيني ملامحو.