إليكم الطاهر ساتي. [email protected] البروف شمو و العبيد مروح ..و دفاتر التاريخ..!! ** القانون، أي قانون، ليس بحزمة نصوص فحسب، بل هو حزمة أرواح أيضا..وكثيرة هي القضايا التي تستخدم فيها السلطة - أية سلطة - روح النص القانوني، وليس النص (بالحرف الواحد)، ويكون حكمها عادلا..على سبيل المثال، لصندوق المعاشات قانون به نص يلزم المعاشي إثبات حياته بين الحين والآخر أو عند إجراء ما..لإثبات تلك الحياة، يكون هناك موظفا - عقله إتجاه واحد - يطالب المعاشي بإحضار شهادة من اللجنة الشعبية تثبت بأنه (حي يرزق)..وقد يكون هناك موظفا - متقد الذهن والوعي - يكتفي بمطالبة المعاشي بإبراز بطاقته الشخصية..كلامها نفذ القانون، ولكن تميز الموظف الثاني عن الأول بحيث إستخدم روح القانون، أي أبدع في تسخير النص بحيث يخدم المعاشي بلا إرهاق، وذلك بالإكتفاء بشهادة البطاقة الشخصية، وهي بالتأكيد تثبت بأنه (حي يرزق)، فالموتى لايحملون بطاقاتهم ويرتادون صندوق المعاشات..أما زميله- الأصنج - أيضا نفذ القانون، ولكن بعد أن جمد عقله بالإتكاءة على نص يحيل المعاشي إلى لجنة شعبية شهادتها هي الدليل بأن ذاك المعاشي (حي يرزق)..وهكذا، كثيرة هي القوانين التي في روح نصوصها تحمل ذات العدل الموجود في النصوص الحرفية، ولكن قليلة هي العقول التي تبدع وتستخدم ( روح النص)..وما أكثر العقول الجوفاء التي تنتهج نهج عقل الموظف الذي يخاطب المعاشي بخطاب من شاكلة : ( يا حاج إمشي جيب لينا شهادة تثبت إنك حي ) ..!! **وعقل مجلس الصحافة جزء من تلك الكثرة..قبل إعلان ميلاد دولة جنوب السودان بيوم ، أصدر هذا المجلس قرارا بإيقاف صحيفة أجراس الحرية و خمس صحف إنجليزية،بحجة أن بعض المساهمين فيها ( أجانب)..أي هي الصحف التي يمتلك بعض أسهمها بعض أبناء جنوبنا الحبيب - وطنا منفصلا بأمر الساسة كان،أو وجدانا موحدا بأمر الشعب - ولذلك أوقفها مجلس الصحافة عن الصدور قبل يوم من إعلان الإنفصال..لم ينتظر المجلس حتى موعد إعلان ميلاد تلك الدولة.. لقد تم عزف السلام الوطني للسودان الموحد، وكذلك تم تنزيل علم السودان، بعد أن أعلن مجلس الصحافة بأن بعض ملاك تلك الصحف (أجانب )، أي إعترف المجلس بدولة الجنوب قبل المجتمع الدولي، بل حتى قبل قادة الجنوب أيضا.. فالقرار - إن كان لابد منه - كان يجب أن يكون يوم السبت وليس الجمعة، ولكن هكذا العبيد أحمد مروح - دائما وأبدا - يتقن الرصد و الترصد، ولذلك سبق الجميع في الإعتراف ب( هوية الجنوبيين)، بحيث صاروا - في عقله المترصد - أجانبا يوم الجمعة بالخرطوم رغم أنف السلام الجمهوري للوطن الموحد الذي تم عزفه ضحى السبت بجوبا، وكذلك رغم أنف العلم الغالي الذي تنزيله بشرف عصر السبت بجوبا أيضا.. وهذا الميقات ليس مهما ..!! **ولكن، ما لم ولن يستوعبه العبيد مروح - الأمين العام لمجلس الصحافة الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية - هو أن القوات المسلحة حين سرحت أبناء الجنوب، أمهلتهم (60 يوما) لتوفيق اوضاعهم، أي لم تجردهم من أزيائهم العسكرية في ميدان التكريم ثم ترحلهم من الميدان مباشرة إلى الإستوائية..دع عنكم القوات المسلحة، بل حكومتي السودان وجنوب السودان إتفقتا على فترة زمنية عمرها نصف عام، منذ يوم الإنفصال، لتوفيق أوضاع أهل جنوب السودان بالسودان وكذلك لتوفيق أوضاع أهل السودان بجنوب السودان..فترة توفيق الأوضاع - بالمفهوم السوداني وبثقافة أهل السودان - هي بمثابة كرم وتكريم من كل دولة تجاه شعب الدولة الأخرى، بحيث لايضار فيها مواطن ولا يعامل فيها مواطن ك(أجنبي).. و رئيس السودان ورئيس جنوب السودان أكدا ذلك في خطابهما بجوبا، بحيث نصوص الخطابين - وروحها - لم تأمر أي مسؤول أو جهة بالسودان أو بجنوب السودان بأن يكون (فظا وغليظ القلب) تجاه المواطن هناك أو هناك..ولكن مجلس شمو و مروح - كالعهد بهما دائما - ملكي أكثر من الملك، بحيث ضن على تلك الصحف - حتى ولو فترة اسبوع - لتوفيق أوضاعها.. رصدها، ثم باغتها بإيقاف لم يسبقه توجيه بتوفيق الأوضاع أو إنذار بعدم توفيق الأوضاع، ولو كان مجلسا حصيفا وأمينا بحيث يدرك ( ماذا يعني ترصد الصحف لإيقافها ؟ وترصد الصحفيين لتشريدهم ؟) لما أصدر قرارا كهذا، بحيث مظهره تطبيق للقانون، بيد أن جوهره ( طرد لإخوة الأمس و..إرهاق لحياة بعض زملائي الأعزاء).. كان على المجلس أن يسأل ضميره : كم أسرة سودانية سوف تتضرر إذا عطلنا هذه الصحف بلا سابق توجيه أو إنذار ؟، وهل الأفضل - لحياة تلك الأسر السودانية - التوجيه بتوفيق أوضاع تلك الصحف، بحيث لاتعطل مصادر الرزق وكذلك ننفذ القانون، أم الأفضل تعطيل مصادر الرزق وكذلك تنفيذ القانون ؟..لو واجه العبيد مروح ذاته بأسئلة كهذه، لطبق قانونه على تلك الصحف، وهي تباع في الأسواق، ويذهب عائدها - راتبا وحافزا وسلفية - لأسر الصحفيين، أثمانا لحليب أطفالهم و رسوما لمدارس أبنائهم.. ولكن..لا عليكم يازملائي بتلك الصحف، بالتأكيد تؤمنون بأن مسيرتكم مسماة ب(النكد والمتاعب)، وكما تعلمون بأن الحياة محطات ومواقف،ولو دامت لسلطة المجلس لعثمان أبوزيد لما آلت لشمو و العبيد..وهكذا تستخدم الأنظمة بعض الإمعات حينا من الزمن، ثم تقذف بهم في مزبلة الزمن، ك(مناديل الورق)..وبالمناسبة، من الأسئلة التي تحيرني : قد يجد السياسي تبريرا لمواقفه السياسية حتى ولو كانت معيبة، ولكن كيف يجد الإعلامي - كالعبيد مروح و البروف شمو - تبريرا لموقف كهذا حين يوثقه التاريخ وتسرده الأجيال ؟.. السؤال لشمو والعبيد، إن كانا يؤمنا بان التاريخ يرصد ويوثق (قبح المواقف).. !! ................... نقلا عن السوداني