. لأن الخصخصة بند ثابت في خطط الحكومة الخمسية ، وهدف دائم من أهداف الموازنة العامة وحجر زاوية في كل خطاب اقتصادي يلقيه مسؤول علي مسامع ناس لابسين بدل وقاعدين في الهواء البارد ويزدردون الطعام علي حساب المال العام ،دعونا نعقد مقارنة نظرية لنري المغزي الحقيقي لما يسمي الخصخصة . . لنفرض مثلاً أن بالسودان مدبغة حكومية واحدة للجلود مسؤولة عن دبغ الجلود وتشطيبها وتسويقها في السوق المحلي والخارج . . وأن المدبغة بأقسامها العديدة كانت تستوعب خمسة ألف عامل وموظف ينتجون حوالي مليون قطعة من الجلد شهرياً . نصفها للتصدير ونصفها لمصانع الأحذية بالداخل . . وأن مصانع الأحذية بالداخل ، التي تحصل علي احتياجها من الخام بسهولة كانت تستوعب 20 ألف عامل وموظف بها . . ويحصل المستهلك علي ما يحتاجه من أحذية جلدية بسعر معقول ، وهي منتجات مكتوب عليها صنع في السودان . عائد تصدير الجلود المشطبة ونصف المصنعة يدخل بالطبع إلي بنك السودان ، ويسهم في رفع حصيلة النقد الأجنبي . . وعائد البيع للسوق المحلي بالجنيهات السودانية يورد بأورنيك 15 لوزارة المالية . ومصانع الأحذية المحلية تدفع للحكومة سنوياً ضرائب عن أرباح أعمالها ، وإذا صدرت بعض منتجاتها للخارج يستلم بنك السودان العملة الصعبة ويعطيها مقابل ذلك عملة محلية بحسب السعر الرسمي للدولار أو الاسترليني وخلافه . . أنظر كم من فوائد تتحقق لصالح المواطن والاقتصاد الوطني عبر هذه المنظومة " الجلدية " ، إنها لا تقف عند حدود 25 ألف عامل وموظف يعملون بها بل تتعداها لمورد هام من موارد النقد الأجنبي ومنتج محلي جيد إضافة لتشغيل طاقات إضافية في النقل والخدمات وغيرها . . وعندما يقرر مهووس أو وكيل من وكلاء الرأسمالية أو تابع لصندوق النقد الدولي خصخصة المدبغة فان تداعيات الخصخصة لا تحصي ولا تعد . . يشتري " حاج أحمد " المدبغة بربع سعرها بعد أن يدفع المعلوم للشيخ عبد القيوم . . يستغني عن 4500 عامل وموظف لأنه يري الفائدة في تصدير الجلود الخام فقط . . تغلق مصانع الأحذية المحلية أبوابها ، لأنها لم تجد المواد الخام المحلية والرخيصة ويطلع 20 ألف من العاملين بها للشارع . . تفقد الخزينة العامة ملايين الدولارات كانت تأتيها من عائدات صادر الجلود . . تفقد الضرائب ملايين الجنيهات كانت تأتيها من أرباح أعمال مصانع الأحذية التي أغلقت . . أصحاب الشاحنات وستات الشاي وناس المطاعم الذين كانوا يتعاملون مع المدبغة ومصانع الأحذية " أكلوا نيم " بسبب الخصخصة . . المستفيدون مما يسمي الخصخصة إذن هم عبد القيوم الذي قبض عمولة بيع المدبغة لحسابه الخاص ، وحاج أحمد الذي اشتري المدبغة بتراب الفلوس ، وشوية سدنة وتنابلة سهلوا أمور الصفقة . . المستفيدون يصرخون " دون الخصخصة المهج والأرواح والعيون " والأغبياء يصفقون . الميدان