زمان مثل هذا الدوحة.. الطريق السريع الصادق الشريف لا بُدّ وأنّ هنالك تفاصيل ما تجري في الخفاء. ولا بُدّ أنّ مشكلة دارفور ليست أولوية ضمن أولويات الحكومة.. على الأقل في الوقت الراهن. فأمس السبت.. كان هو اليوم المحدد لعودة الدكتور التيجاني سيسي رئيس حركة التحرير والعدالة الموقعة على سلام دارفور (النسخة الثانية / وثيقة الدوحة). هذه ليست المرة الأولى.. ولا الثانية.. ولا الثالثة.. ورُبّما لن تكون الأخيرة التي تعلن فيها حركة التحرير والعدالة تأجيل عودة رئيسها إلى البلاد. والحركة هي أيضاً أصبحت تخوض في بحر الغموض بمتون تصريحاتها التي تحتاجُ إلى هوامش تفسيرية. الهواجس منذ البدء كانت تحيط بهذا الاتفاق.. وغياب الفرح كان بيِّناً على وجوه المسؤولين في الحكومتين السودانية والقطرية. وأعتقد أنّهما حاولا جهدهما وجهد غيرهما لحشد أكثر عدد ممكن من الحركات المسلحة.. وحينما استيأسا.. قررا إنهاء مفاوضات دارفور.. ولو بشقِّ تمرة. حركة التحرير والعدالة ليست الأقوى ميدانياً.. ولا الأنطح عسكرياً.. ولا الأكثر تأييداً دارفورياً.. لكنّها الأقرب للسلام.. والأكثر مقدرة على إحداث حراك سياسي كما تبيّن من زيارات نائب رئيسها أحمد عبد الشافع. بجانب أنّ الحركة وجدت دعماً دولياً من الأممالمتحدة.. وإقليمياً من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية.. أضف إلى ذلك المكانة (الأممية) التي يُحظي بها سيسي. والحكومة تعلم كلّ ذلك.. ولعلها حاولت أن تستخدم الاتفاق لإثارة غيرة الحركات الدارفورية الأخرى.. لتُسارِع بالتوقيع. فتور الحماس الحكومي للحركة ظهر منذ البدء.. حين تمّ تعيين الحاج آدم نائباً للرئيس على عجل.. وكأنّه استباق لمجيء قادتها ولملمة أطرافهم بالسودان.. رغم أنّ الاتفاق نصّ على (التشاور) معها عند تعيين نائب رئيس من دارفور. وقد أظهر أحمد عبد الشافع نائب السيسي مقدرة دبلوماسية فائقة على ضبط التصريحات.. فقال في هذا (لم يتمّ التشاور معنا.. ولكنّنا نعتبر الحاج آدم مكسباً لدارفور).. رغم أنّ خيار الهجوم الإعلامي كان متاحاً له لنقد انفراد المؤتمر الوطني بالأمر. سيكونُ مفهوماً أن تتعذر الحكومة بغياب الرئيس ونائبه الأول من البلاد (يوم الخميس).. وتطلب تأجيل حضور الوفد إلى السبت (والذي تأجل هو أيضاً).. ولكن العذر الرسمي الذي برز الى سطح الإعلام.. هو المال.. ومن المؤكد أنّه ليس كذلك.. لماذا؟؟. لأنّ الحكومة دفعت من قبل 60 مليون دولار لترتيبات عودة قيادة الحركة الشعبية (أي ما يعادل بأسعار اليوم 240 مليار جنيه).. دفعتها بكلِّ أريحية وحماس.. ولم تُعلِن عنها إلا بعد اشتداد الخلاف بين الشريكين (سابقاً). ولو صحّ أنّ حركة التحرير والعدالة طالبت ب 9 مليارات جنيه لترتيب عودة قياداتها.. فهي وبكلّ تواضع تكون قد طالبت بأقل من 4% مما حصلت عليه الحركة الشعبية. لا أظنُّ أنّ المال وراء تأجيل الزيارة.. بل هو غطاء لعدم حماس الحكومة للاتفاق منذ التوقيع عليه. اتفاق الدوحة هذا - أيُّها السادة - يسيرُ بسرعة في ذات الطريق الذي سار فيه اتفاق ابوجا. التيار