حديث المدينة 12 عاماُ على 12 -12 عثمان ميرغني في مثل هذا اليوم (12 شهر 12) من العام 1999 قطع تلفزيون السودان برامجه ليذيع بياناً للرئيس البشير يعلن فيه تعطيل الدستور وحل المجلس الوطني الذي كان يرأسه الدكتور حسن الترابي.. وكان ذلك (الطلاق الثاني).. حيث سبقه بعام واحد الطلاق الأول في مذكرة العشرة الشهيرة.. ثم جاء الطلاق الثالث (البينونة الكبرى) في قرارات صفر، التي أعلن فيها رسمياً انشطار المؤتمر الوطني إلى مؤتمرين.. فولد المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي. كان ذلك الانقلاب الثاني للرئيس البشير بعد 30 يونيو 1989.. فهو انقلاب لأن الخروج عن نفوذ الدكتور حسن الترابي بذلك البيان كان مغامرة محفوفة بكثير من المخاطر.. ولكن التهيئة النفسية التي مهدت بها مذكرة العشرة قبل ذلك بعام.. خففت من تداعيات قرار الإطاحة بالترابي.. وجعلت قواعد الحركة الإسلامية تبتلع وتتعايش مع الحدث بالتقسيط. انفلقت الحركة الإسلامية لتسيطر على أقصى اليمين (الوطني) وأقصى اليسار (الشعبي) بصورة أوعزت للبعض أن يتشكك في أن الأحداث اختلقت خصيصاً لصناعة معارضة (إسلامية) تصبح هي اليسار الجديد.. فتحيل أحزاب اليسار التقليدية (الشيوعي والبعث وغيرهما) إلى حالة خارج التاريخ.. مجرد متحف طبيعي لما كان يطلق عليه اليسار السوداني. لكن شبهة (التمثيلية) زالت تماماً بعدما ترافع الطرفان بالسلاح وكادت الأحداث في بعض المنحنيات أن تتحول إلى معركة مباشرة في قلب الخرطوم.. لولا اختراق الأجهزة الأمنية لجدران الشعبي.. بصورة سمحت بإبطال مفعول المواجهات العسكرية. لكن المعركة انتقلت بالكامل إلى دارفور.. فتأسست حركة العدل والمساواة من كوادر وقيادات الشعبي.. حتى جاء يوم ما من معركة عسكرية في دارفور إلا كان طرفاها من الإسلاميين. بعد (12) عاماً من بيان الرئيس البشير الذي أطاح فيه بالترابي.. تخمرت المرارات الشخصية.. وتراكم الغبن في الصدور.. وصارت المسافة الفاصلة بين الشقيقين المتشاققين.. لا تحتمل المبادئ أو الفكر.. و استثمر كثيرون في الخلافات.. فما كان لهم أن يصعدوا إلا على ركام الشقاق.. حزب المؤتمر الوطني في مركز القوة والسلطة يرى أن الزمن في صالحه.. أتباع الترابي يتساقطون ويجدون أبواب العودة مشرعة إلى حزبهم القديم.. وينتظر الوطني اليوم الذي يجد الترابي فيه نفسه وحيداً كالسيف يحارب وحده.. لكن الترابي – من جانبه- يصر على أن (حالة!) المؤتمر الوطني مرتبطة ببقائه في السلطة.. وأن كل عضويته من الإسلاميين هم لاجئون في معسكر السلطة سيعودون حالاً إلى الوكر المهجور .. مباشرة بعد زوال سكرة السلطة. ولهذا السبب يجتهد الترابي في البحث بأعجل ما تيسر عن (ربيع) عربي أو أفرنجي لا يهم.. ليس للإطاحة بالنظام.. فهو مؤسسه في 1989.. بل لاسترجاع النصف الآخر.. وللترابي مقولة شهيرة: (لا حاجة لتوحيد الوطني والشعبي.. فهم أصلاً واحد.. بعد إزالة الحكومة). وبين قوسي مرارات الوطني والشعبي.. يكاد إسلاميو (الربيع العربي) في تونس ومصر وليبيا يقولون لإخوانهم في السودان .. (أرونا تجربتكم.. لنتجنبها)..!! التيار