د.عماد الدين عبد الله آدم بشر كلية النسيج – جامعة الجزيرة [email protected] تناولنا في الجزء الأول من المقال، كيف أن كل الجامعات تسعى لكي تكون ضمن أفضل الجامعات العالمية في التصنيفات المختلفة، و التي كان من ضمنها تصنيف الويب متركس الإسباني الشهير و الذي نالت فيه جامعات الخرطوم و السودان للعلوم و التكنولوجيا و الرباط الوطني و كرري و أفريقيا العالمية مراكز ضمن أفضل 12000 جامعة عالمية؛ و لكن يبقى تصنيف شنقهاى هو الأشهر و الأكثر اعترافاً لدى معظم دول العالم؛ لذا نخصه بشيء من التفصيل، كما أن هذا التصنيف، يصنف فقط أفضل 500 جامعة عالمية – نطمع أن نكون منها – وفقاً للمعايير الآتية: الخريج و جودة التعليم: بالتأكيد يعتبر الخريج هو عنوان الجامعة المتنقل و هو الذي يروج للجامعة في حله و ترحاله، و الاهتمام المتبادل بين الجامعة و خريجها يعتبر أولى اللبنات للارتقاء بالجامعة، و في ذلك نجد أن الكثير من خريجي الجامعات السودانية انتظموا تحت مسميات مختلفة للعب هذا الدور المهم، و نذكر هنا على سبيل المثال خريجي جامعة الجزيرة الذين أسسوا منظمة خريجي جامعة الجزيرة و التي تضم كل من نال شهادة من جامعة الجزيرة، بيد أن هذه المنظمة تنضوى تحت لواء وزارة الشؤون الإنسانية، حيث إن من ضمن أهدافها الارتقاء بخريج الجامعة المبدع و المتطلع و الذي قد لا يجد فرصة للارتقاء أكاديمياً عبر هيئة تدريس الجامعات المختلفة، فتقوم المنظمة برعايته و رعاية أبحاثه، و ربما تكون هذه الأبحاث بالقوة التي ينال بها الخريج إحدى جوائز نوبل أو وسام فيلدز للرياضيات، و التي بهما تزداد فرص الجامعة لتنال نقاط معتبرة في تصنيف شنقهاى. جودة أعضاء هيئة التدريس و المخرجات البحثية: عبر هذه المحاور تنال الجامعة معظم نقاط التصنيف، و ذلك من أبحاث أعضاء هيئة التدريس المنشورة في دوريات مجلتي الطبيعة و العلوم العالميتين، و الأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية المفهرسة و المصنفة، و كذلك الاستشهاد بأبحاث أعضاء هيئة التدريس في 21 دورية عالمية، هذا المحور هو ما ينقصنا حيث إن مجموعة كبيرة لا تكترث كثيراً للنشر الخارجي، خاصة الباحثين الشباب و من نالوا شهادات عليا من داخل السودان، نجد مثلاً إن بعضاً من مَنْ نال شهادة عليا من خارج السودان يستطيع استنباط أكثر من عشر أوراق علمية قابلة للنشر العالمي من بحثه و كل ذلك يحسب للجامعة التي نال منها الشهادة، بينما معظم من نال شهادته من الداخل لا يستطيع أو بالأصح يتكاسل من استنباط أوراق من بحثه و حتى من منّ الله عليه بالنشاط يكون نشره محلياً، و نحن هنا لا نتشكك في معاييرنا للنشر الداخلي بل نتحدث عن المعايير الصعبة و القاسية للنشر العالمي الذي يدخل في التصنيف العالمي للجامعات، و ذلك ما قارناه بمعيناتنا البحثية الضعيفة و المحدودة. كما أن لدينا من العقول ما يمكن أن نباهي و نتباهي بهم حتى وسط الجامعات الأمريكية التي تتصدر كل التصنيفات العالمية؛ لأن بالجامعات السودانية الكثير من مَن لهم أبحاث يحق لنا أن نفخر و نفاخر بها، و يحضرني هنا على سبيل المثال و ليس الحصر، أبحاث قام بها بعض أساتذة جامعة الجزيرة في ماليزيا تفوقوا فيها حتى على الأمريكان و ستظهر في القريب العاجل بإذن الله؛ لأنها الآن قيد تسجيل البراءة العالمية و التي لا نهتم بها كثيراً هنا في السودان مما تفقدنا الشهرة و المال، اهتمامنا بتسجيل براءة اختراع أبحاثنا يمكننا من الترويج الجيد لها و ربما يكون ذلك مفتاح لننال إحدى جوائز نوبل أو وسام فيلديز للرياضيات، و التي هي من ضمن معايير هذا المحور. مستوى الأداء الأكاديمي العام للجامعة: يتم الحصول عليه من المعايير أعلاه منسوبه إلى أعضاء هيئة التدريس و الباحثين المتفرغين كلياً للتدريس و البحث العلمي في الجامعة، و هذا المحور الأخير و خاصة الكوادر الأكاديمية، ظلت الجامعات السودانية تعاني منه كثيراً خاصة خلال هذه السنوات الأخيرة، حيث بدأت الجامعات السودانية تفقد بين الفينة و الأخرى، الكثير من العقول النيرة في هجرة قسرية بالرغم من أنها مشروعة و التي نعتقد أن من أهم أسباب ظهورها بهذا الشكل المزعج لكل إدارات الجامعات و كذلك طلابها، هو الوضع الصعب و المحبط للأستاذ الجامعي و الذي أفقده الشق الأهم من رسالته و هو البحث العلمي - و هذا ما سنتناوله بإذن الله في الجزء الثالث و الأخير من هذا المقال- وهذا الفقدان المتسارع لأساتذة الجامعات بالتأكيد يباعد بيننا و بين تصنيف شنقهاى و الذي تكمن قوته في الجانب البحثي للجامعات، حيث إن أكثر من %80 من نقاط هذا التصنيف، تذهب للبحث العلمي – وهو ما يدفع بالبعض لمعارضة هذا التصنيف – و بهجرة هذه العقول نكون قد فقدنا أبحاثاً كان يمكن لها أن تكون رصيداً لجامعاتنا السودانية إذا ما توفرت المعينات البحثية بدلاً من أن تكون رصيد لجامعات أخرى دفعت هي و حكوماتها و قطاعها الخاص الكثير في سبيل أن تحظى بمقدرات هذه العقول، و حتى القطاع الخاص و الشركات التي جاءتنا من الدول الشقيقة من خلال المعرض الدولي الرابع للصناعات الكيماوية و البتروكيماويات و تكنولوجيا و صناعات البلاستيك، و الذي نظمته شركة \"فجن\" في مطلع هذا الشهر بأرض المعارض ببري، لم يكن هنالك تمثيل للجامعات أو المؤسسات البحثية ضمن العارضين و التي كنا نعتقد أنها فرصة طيبة لالتقاء البحث العلمي بالصناعة، و بذلك تكون الفائدة أكبر للحضور الطلابي الكثيف الذي شهده المعرض، و أيضًا كان يمكن أن تؤسس شراكات بين الجامعات و هذه الشركات و الذي قطعاً يؤدي لتحريك البحث العلمي. وفي الختام، هل لنا أن نحلم ببيئة جامعية مميزة و مشجعة للاستقرار، تمكن كل من دفعته الأقدار للابتعاد عن الديار، يعود و يكون أكثر قوة في الترميم و الإعمار، و نكون بذلك قد تحسسنا صحيح المسار، و لتصنيف شنقهاى، بإذن الأحد القهار، نكون حضوراً أنيقاً متصدراً و من خلفنا تكون بقية الأقطار. و الله المستعان التيار