بيان توضيحي من وزارة الري حول سد مروي    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مسئول إيراني لرويترز: وفاة الرئيس الإيراني في حادث تحطم المروحية    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    الجنرال في ورطة    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في قصة (جسمان كونيان فوق سماء بندر) لبشرى الفاضل
نشر في الراكوبة يوم 12 - 03 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً : القصة
جسمان كونيان فوق سماء بندر
عروة علي موسى
[email protected]
ذات صباح استيقظت مدينة (بندر) التي اشتهر أهلها بالشغف، لتشهد هبوط جسمين ضخمين غريبين مصمتين؛ لونهما فضي كأنهما قطعتان حجريتان من القمر ينطلي عليهما انطلاء خدعة نوره علينا. شكلهما بيضاوي باستطالة، كما بالونة، إلى شكل واحدة الخيار أقرب، مع انتفاخ في منتصف كل حجر، إن كان هناك خيار كوني فضيّ بمثل هذا الحجم. كان جسماهما كبيرين، كأنهما حوتان فضيان وبحجم يفوق في ضخامته الحوت نفسه.هبط الجسمان وهبطا بهدوء غريب بدا للناظرين الشغوفين حذراً ، كأنهما سفينتان تقتربان من مرفأ مجهول خطر.وأصبحا معلقين على ارتفاع ربما يصل إلى ألف متر فوق سماء المدينة. ولم يكن سكان المدينة مذهولين لهبوط هذين الجسمين فحسب، بل للعلاقة الآخرى. فالجسمان يرتطمان يبعضهما ثم يبتعدان وفي كل لحظة ارتطام يصدر عنهما صوت خافت لا يشبه حجم وقوة الارتطام، كما أن الاصطدام لا ينبثق عنه ضوء ولا انكسار ولا غبار. في البداية بدا الأمر كما لو أن قطتين دخلتا غرفة نومك وهما تتعاركان. لكن فيما بعد اتضح أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
يرتطم الجسمان مرة وهما متواجهان من قطب؛ ثم ينتطحان في المرة التالية من القطب الآخر. وكانا يتبادلان المراكز. هذه الحركة المتنوعة على محدوديتها كانت مثار إعجاب سكان المدينة. لكن الصوت كان هو نفسه حين يتم الارتطام من القطب الأعلى وهو نفسه مع زيادة طفيفة في الزمن، حين يتم الارتطام من الأسفل. وبعد مئات الآلاف من هذه المناجزة الثنائية ينتقل الجسمان لممارسة هذا النشاط المستمر من منظور أفقي. يستمر الوضع الأفقي فترة زمنية تشابه الوضع العمودي .لكن الصوت في الوضع الأفقي تتغيّر نغمته.
وسرعان ما أصبح الجسمان مصدرا لمرح وتجدد أبتسام أهل المدينة ومصدراً لحب استطلاعهم، هم الشغوفون بطبعهم.وبعد أقل من أسبوع من الثرثرة في المجالس جربوا خلالها كافة النظريات حول مصدر هذين الجسمين دخلت القنوات الفضائية في الصورة فنقلت الحركة البندولية الأفقية والرأسية لهذين الجسمين في استداراتهما البديعة إثر كل ارتطام يقومان به .وجرّت الفضائيات معها الشبكة الدولية- عين العولمة اليقظى- بكل أبراجها وحراكها و سكباجها. العولمة جاءت برتل من العلماء من كافة أرجاء المعمورة فوجدوا أن أحد أكثر شباب المدينة القروية اهتماماً بالظاهرة قد أجرى قياساته قبلهم فأحرز أن عدد الارتطامات الرأسية مساو لعددها الأفقي وأن الانتقال من الوضع الرأسي إلى الوضع الأفقي أو العكس يتم بعد تسعة ألاف وسبعمائة وأربع وخمسين مقابلة رأسية أو أفقية بين رأسي هذين الحجرين المصمتين.
أمّن علماء الرياضيات على كلام الشاب بيد أنهم قالوا إن النتيجة لا تقودهم إلى شيء بخلاف العدد.وشرع علماء الكونيات وعلماء الفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء في العمل.ومن عجب أن كل هؤلاء لم يستطيعوا أن يستبينوا إن كان هذان الجسمان كائنين حيين أم جمادين. لدى الاقتراب منهما لم يشعر العلماء بأنفاس ولا خفقان ولا حرارة ولا برودة تنبعث منهما. وكانوا قد تأكدوا قبلاً بمناظيرهم وأدواتهم الحساسة أن الكائنين مصمتين كبيضتين أمهما أنثى رخ، إذ طالما أنهما ظهرا فلابد أن يكون الرخ كائناً حقيقياً.ولا بد أن يكون بيض الرخ مصمتاً لأنه ليس من الضرورة أن تلد فراخ الرّخ من البيض بل هي تلد أساساً وكما نعلم من الأسطورة.
لدى اقتراب العلماء أكثر ارتفع الجسمان قليلاً إلى أعلى. وبعد محاولات عديدة اكتشفوا أن الجسمين يحتفظان بمسافة معلومة بينهما وبين من يقترب منهما إذ ما أن تجري محاولة لاختراق هذه المسافة والاقتراب من الكائنين أو الشيئين حتى يرتفعا إلى أعلى.
بعد شهر جاء ت مراكز البحوث وعلماء الكونيات بأفكار جديدة إذ قرروا حبس الجسمين في شبك وجرهما نحو المدن الكبرى وفصلهما عن بعضهما البعض .لكن جميع محاولات حبسهما في شبك أو أقفاص فشلت إذ أن كل محاولة اقتراب من المنطقة المعلومة تجابه بارتفاع من الجسمين إلى أعلي وما أن تكف المحاولات حتى يهبط الجسمان مرة أخرى إلى نفس المسافة فوق سماء بندر.
وقرّ رأى بعض العسكريين على إطلاق قنبلة على أحد الجسمين.وبعد مداولات عديدة أدركوا خطر الفكرة إذ ربما يكون بداخل الجسمين طاقة تدمر الكرة الأرضية ومع ذلك تمت المحاولة الأولى للاعتداء على الجسمين المسالمين بواسطة أشعة الليزر فاتضح أن الجسمين أكثر صلابة من الماس إذ لم يوثر الليزر عليهما بل توقف شعاعه قرب المسافة المعلومة ثم تحول إلى شعاع ضوء عادي مسالم هو الوجود المادي الوحيد المسموح له بالاقتراب والملامسة لأنه يضيء ولا يتجسس ولا شأن له بالأعماق.الضوء طاقة سطحية والإنسان هو الذي يدخلها في الدهاليز لتتلصص وأطلق العلماء على هذه المسافة النقطة اكس.وهي نقطة لا تتخطاها أي قدرات بشرية حتى لو كانت قنبلة ذرية.
علماء الفيزياء قالوا إن هذا مخالف لكل قوانين الفيزياء.أما علماء الأحياء فقد قفلوا عائدين لمعاملهم مقتنعين بأن هذه الظاهرة الكونية الغريبة ليست من الكائنات الحية.وهكذا ظلت هذه الحركة البندولية مستمرة أبداً . وفشل أي تناصح شعبي أو نخبوي في كشف غموض هذا التناطح. شبئاً فشيئاً اعتبر الناس في كل مكان هذه الظاهرة جزءاً من الناموس. لكنها أغنت أهالي قرية بندر المدينية؛ فأصبحت قبلة للسياح من كل أرجاء المعمورة.الأهالي تعلموا فن التصوير وتصميم بطاقات المعايدة.والبلد بأسرها صارت غنية بفعل هذه الحركة المستمرة أبداً.وجرب أهالي بندر الرقي والسحر والكجور لكن الحجرين المصمتين الصامتين إلا من صوت التناطح لم يفصحا عن أي جديد بخلاف الوصفة التي صاغها علماء الكونيات (ربما هما مقدمة لغزو كوني غامض لكوكب الأرض من صنو له مجهول)، وهي وصفة قابلة كما قالوا للنقض متى ما تطور العلم. أما رجال الدين فقد تركوا العلم بها لله وهي مقولة تخفي وراءها كسل ذهني مقيم . هم يدرون أن الله يأمرهم بالتفكّر.
الكونيون رأوا عدم تأثير الطبيعة على الجسمين فذهلوا .الضوء لا ينحرف عندما يصل لمجالهما؛ هو وحده ربما المسوح له بالإقتراب أما أشعة الليزر فلا يسمح لها باختراقهما كما لا يسمح للمطر بالانزلاق على سطحهما فهو ينحرف بعيداً عنهما.ليس في مدينة بندر ضباب أو جليد بما يتيح للعلماء فحص الصلة بين الجسمين ومتغيرات الطبيعة.
تبدو العلاقة بين الجسمين متكافئة تكافؤاً تاماً فيفتي فيفتي.لا كما هي العلاقة بين الذكر والأنثى لدى البشر؛ أو سائر الكائنات ولا حتى العلاقة التكاملية بين (الإين واليان).
ولو أن الحجرين كائنان لقلنا أن بينهما علاقة حب أبدية طالماً هما يتلامسان بمثل هذه الحميمية؛ فلا شجار ولا انفعال ولا يحزنون. علاقة حب لا تتناقص ولا تطرح أسئلة وليس من غاياتها التناسل؛ وإلا لامتلأ كوكب الأرض بمثل هذه الحجارة الجميلة الصماء غير المنشغلة بالآخرين التي هي في حالة حوار أبدي بينها وبين صنوها المطابق لها حد التماثل التام بحيث أنه يمكننا القول أن حجراً واحداً كان هناك فانقسم على بعضه إلى قسمين وصار يرتطم النصف زد (أ) بالنصف زد (ب) .
الزمن يعمل عمله في البشر فهم الذين يضجرون من الرتابة لكن الحجرين لا يفصحان عن أي مشاعر. هما حجران.
الحسابات والتنويعات في صوت وموسيقى التناطح والتحول من أفقي إلى رأسي كل ذلك لم يفض إلى معرفة كنه الحجرين، مما حدا بالبعض أن يتساءل عن الغاية من وجودهما بينما نسي هو نفسه الغاية من خلقه. فلو كان يرد الأمر للعبادة فمن يدريه أنهما يسبحان للخالق؟ وإن كان يرد المسألة للتلذذ والاستمتاع بالحياة فمن يدريه لعل الحجرين يستمتعان بارتطامهما طالما لم نكتشف إن كانا كائنين حيين أم جمادين .
بما أن الحجرين متطابقان فربما كانا كائناً أو جماداً واحداً يشغل حيزين وتجمع بينهما علاقة الاصطدام هذه.ولو أنهما كانا كائنين حيين فربما أن حركتهما الدؤوبة هذه مع التلاقي هي مما تشير إلى علاقة حب أو بغض والأرجح الحب لان البغض كان سيقود لعلاقة مدمرة ، لكن من ناحية أخرى فهنالك حب مدمّر فيما يعرف البشر وهنالك بغض صامت.
ولو أن هذين الكائنين حجران في حالة مصمتة لما أعارهما أحد التفاتاً فالحجر الساكن كئيب ولم يتخلى عن كآبته إلا على أيدي النحاتين والبنائين وقد كشفت أعتى الحجارة كالماس عن مكنوناتها مهما سعت لأن تكون عصية على التفتيت . لقد اخترق البشر مكنون كل حجر وسبروا أغوار أعتي الصخور الصماء وإن تخفت في جوف الجبال أو أعماق المحيطات.لكن هذين الحجرين لديهما محاذيرهما كأنهما يعلمان بمؤامرات البشر ودهائهم .هذه المسافة التي ظلت هاتان المصيبتان الكونيتان تحافظان عليها هو ما حدا ببعض العلماء لأن يعتبرونهما كائنين حيين من حضارة كونية نائية ما أأنزل الله بها على الأرض من سلطان.
مرّ عامان ولم تزل الحيرة مستبدة بسكان بندر وما جاورها والسياح والعلماء والصحفيون.اغتنى سكان بندر بالظاهرة فتركوا الحرث والتجارة وتخلوا للدولة المركزية عن عائدات البترول .وفي مطلع العام الثاني زاد عدد السياح بصورة مذهلة حتى أن الدولة نفسها أصبحت تفكر في التخلي عن التصنيع والتصدير كي تصبح تلك مهمة الأجيال المقبلة إذ ربما تختفي هذه النعمة السماوية التي توشك أن تبطل سعي الناس للعمل من أجل الكسب في هذه البقعة من العالم، فيما عدا الجباية الجديدة ، جباية السياحة التي لا يتضرر منها مواطنو البلد المحظوظ الذي فيه مدينة كمدينة (بندر) التي هي محظوظة أيضاً إلى حد التخمة. أصبحت المنطقة حول بندر هي شيمة الجذب السياحي الأول في المعمورة.نبهاء السياحة قاموا بتغيير أسم مدينة بندر ليصبح (وندر) كي يسهل نطقه وفهم معناه لقطاعات وساعة من دول العالم.
الرأي الأخير استقر على إنهما كائنان مجهولان مصمتان لا يتبادلان العناصر مع طبيعتنا جاءا من حضارة غريبة من كوكب ناءٍ وربما يقومان حالياً بدراسة الأرض وربما تمتد مثل هذه الدراسة لقرن أو قرنين.هكذا وجد العلماء أخيراً مخرجاً لحيرتهم.لكن قراء هذه الحذلقة لن يستكينوا إلى رأي العلماء.
الحجران جاءا من أقرب ثقب اسود من مجموعتنا الشمسية.هكذا قال أحد متصفحي الشبكة الدولية المهووسين بالكونيات.وأضاف لا يعقل أن يكونا موجودين في مجرتنا منذ الانفجار الكبير.لابد أنهما فلتا فجأة من دوامة الثقب الأسود القريب وانبثقا خارجه وهما يحتفظان بحكمة ملايين السنوات لذا فهما جمادان شكلاً لكن لهما ذاكرة وهذا ما يجمعهما بالبشر كما تجمعهما بالإنسان والحاسوب البرمجة .والدليل على برمجتهما هو التفاعل مع البشر فكل اقتراب يقابله ابتعاد من هذين الشيئين أو الكائنين.
بندر الجديدة أو وندر صارت بها طرقات مسفلتة وسكك حديدية مرتبطة بشبكة الطرق العتيقة في البلاد . وكلما زاد وارد عائدات السياحة المفاجئة تحسنت شبكة الطرق القديمة العجيبة .وندر لم تتغير فحسب بل غيرت بانزياح متسارع كل المنطقة المجاورة وامتد تأثيرها للبلدان المجاورة. ونشأ في بندر مطار حديث، هو صغير لكنه أجود عمرانا من مطار البلد الكبير. ونشأت فيها فنادق بمختلف الدرجات وأسواق تضج بالعاديات والإيقونات . وتم ربط وندر بمدن العالم الرئيسية فصار الانتقال إليها يتم مباشرة لذا صارت فيها مكاتب جمارك ومكاتب سياحة ومستشفيات ووكالات من كل شكل ولون.
قبل بضع سنوات كانت بندر مدينة جرداء ، شجرها أجرد ، وعشبها أغبش ،ومياهها ملوثة وطعامها شرحه وحظها اسود ومن لا يتجنبها أشقى .
أما اليوم فقد زحف نحو أربعين مليوناً هم كل سكان البلاد ليسكنوا فيها بعد أن أصبح اسمها وندر حيث لا يعملون إلا بالسياحة.جاءوا من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب وأصبحت البلد كلها مركزا ًبلا هوامش. لكن أهل وندر في قرارة أنفسهم يعتقدون أنهم هم المركز وكل ما عداهم هامش حتى لو كان من سكان القصر الكبير.أصبحت وندر جنة أرضية فلا يتجنبها إلا الأشقى .أما الحجران فسادران في لعبهما الكوني العجيب.حيث يسمع صوت ارتطامهما الرأسي الداوي من غير عنف:
- بُمْمْ
وصوت ارتطامهما من القطب الآخر:
- بِمْمْمْ
أما صوت ارتطامهما وهما في الحالة الأفقية فهو:
-تَتَمْ
وصوت ارتطامهما الأفقي من القطب الآخر فهو
- تِتِمْمْ
غير الصوت لغة أهل بندر في بعض صوتيماتها كما غير نغماتها الموسيقية . وهكذا أصبحت وندرعاصمة لدولة اسمها الجديد هو (وندرلاند) .وأصبحت وندر منطقة تغيير كبير ليس لسكانها وثقافتهم وحضارتهم فحسب بل لثقافة البلد كلها.العولمة أضافت إليها ما لم يكن في الحسبان حيث تغيرت أزياء النساء والرجال وحدث تداخل بحيث لم تعد تنتسب ثقافة وندر لبلد بعينه.
العقد في زمن الشبكة الدولية لم يعد عشر سنوات بل سنتان لا غير.وكلما تسارعت انجازات العصر كلما أصبحت هناك حاجة لتقصير العقد والإحساس به أكثر.
المعلومات التي تنقلها الشبكة الدولية للمعلومات أصبحت فيها ظاهرة أطلق عليها مختار الجانبي أحد سكان وندر مسمى (الودك) إذ أن تراكمها يجعلها تتلبك فلو مر عامان عليها تصبح في أذهان مستخدمي الشبكة ذكرى غامضة عنها لذا تذهب هذه المعلومات والكتابات والأفكار إلى قاع الشبكة الدولية . لكن حجري وندر لم تتبلك الأفكار عنهما فسيرتهما دائماً طازجة ذلك أنه لم يستطع أي شخص ولو كان بقدرات اينشتاين فك مغاليقهما.أصبحا حيرة العالم بيد أنهما حجرا الحظ لبلاد وندر لاند الشاحبة سابقاً رغم جعجعة ساستها وطحن عسكرييها الذي لا يفرق بين الحنطة والعظم.
بعد قرابة العقد (بالقديم) تخلى سكان وندر لاند عن الزراعة وبدايات التصنيع والتعدين كما أغلقت المدارس أبوابها فالعائد من السياحة كبير لدرجة تفقد هذه المجالات جميعها توازنها كما إن التعليم جاءته الطامة الكبرى من باب الاستهلاك فسيدات وندر لاند وسادتها يستهلكون خيرات العالم دون مشقة بينما أصبحت عملة وندرلاند في خبر كان؛ فالعولمة في وندر لاند عالمية والمطاعم أصبحت فخيمة والمتاجر الضخمة تحولت أولاً إلى مراكز تسوق ثم تحولت قرب نهاية العقد بالقديم إلى مراكز مراكز وهوامش مراكز تسوق .وهكذا فالهامش عنصر دائم يستصحب المركز حتى عندما يتحول هو نفسه إلى مركز بالنظر إلى هوامش المعمورة الأخرى غير المعمورة .
ذلك والحجران سادران في غيهما.وانطلقت شائعة دبّت في أطراف مدينة وندر التي أصبحت أطراف تضرب إليها أكباد مترو الأنفاق ساعات وساعات.الشائعة تقول إن هذه إحدى علامات الساعة!
الجسمان الغريبان غيرا وندر لاند وفي طريقهما لتغيير أفريقيا وآسيا أولاً وربما العالم بعد حين، لكنهما لم يتغيرا.الإيقاع هو نفسه والبم بم والتم تم هو نفسه . بقايا المثقفين المنقرضين في وندر لاند فكروا فقالوا إن الذي تغير هو الإنسان في هذه المنطقة من العالم إذ أن الحجرين لم يتفاعلا مع شخص أو مجموعة أشخاص بأي شكل كان .
بعد نهاية عشرة عقود بالجديد استيقظ سكان وندر لاند الذين أصبحوا أميين إلا من الخبرات السياحية الهائلة ويجهلون خبرة الأجداد في الزرع والضرع وخيرة القرن في الصناعة والتعليم فلم يجدوا للحجرين في سمائهم أثراً . لقد اختفيا كما جاءا من المجهول وإلى المجهول. (الضحك شرط) مدينة وندر ومن بعدها بلاد وندرلاند .أما أطراف العولمة التي أصبحت تلملم أطرافها عن هذه البلاد فقد غرقت في ضحك من نوع آخر كأنها لم تذهب إلى هناك أصلاً.
وخلال اقل من عقد بالجديد استعادت القرية المدينية اسمها القديم (بندر) ولم تعد تتشرف بإلحاق اسمها بالبلاد .أصبح اسمها بندر فحسب.وشيئاً فشيئاً تحولت مبانيها الشاهقة إلى خرائب ينعق فيها البوم.
- بوم ! بوم !
بشرى الفاضل
جدة- 29 أكتوبر 2010م
القراءة ...
(جسمان كونيان فوق سماء بندر) قصة قصيرة تبدو عادية في طريقة عرضها وسردها الذي يباشر القاص / الراوي فيه قدراً كبيراً من السيطرة علينا بجعلنا متلقين لما يرويه لنا من أحداث في زمان ما ، ومكان حدده القاص ب (بندر) مدينة ما ، ستكشف هويتها بعد حين.
شخوص القصة ذوات وضع غريب فالتي كان يجد بها أن تكون المحور الأساسي للقصة أصبحت هامشية ( جموع الناس ) وعلت (أجسام غريبة ) وغدت هي الشخوص المحورية في القصة ، وهذا الوضع المقلوب أراد القاص منه السخرية من ثقافة الصمت التي يئن من فرطها مجتمعتنا .
المكان محدد ب (سماء بندر) وهذا مكان مركب من سماء ( وهي كل ما علاك ) ومن بندر ( المدينة مطلقة ) والذي يؤكد أن المكان مقصود لذاته أن الرؤية لكذا أجسام أيٍ كان شكلها وحجمها أنه يمكن رؤيتها في أي مكان وليست مقصورة على مكان بعينه ولكن القاص أراد من ذلك توجيه النقد للمدينة التي تجعل منها السلطة عند فشلها في التنمية قبلة لكل الناس فتخلو البوادي والأرياف وتصير غير جديرة بالمشاركة في كذا رؤية لانعدام الإنسان فيها ليس انعدام فناء ولكن انعدام إنساني لا يعطيه القدرة على المشاركة في صنع كذا قرارات لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، فكيف يطلب من الذي يصارع من أجل لقمة عيشه أن يحدد مصير ومآل جسمين غريبين يتصارعان ،تلك لعمري في عرف أؤلئك القوم تعتبر رفاهية ما بعدها رفاهية ، فهُم لم يصلوا لها بعد !
الموضوع بالقصة جد مختلف فالقاص يعمد إلى مناقشة موضوع ذي صبغة سياسية واضحة وتحديداً ما يحدث في بلدنا منذ 1989حتى اليوم وما حدث من تغيرات في السياسة والمجتمع ، وحياة بندر/ الخرطوم على وجه الخصوص ، وبناء أمالهم على سراب البترول ، فأهملوا الزراعة ، وأصبحوا مرتادي ( سياحة ) وهذه أيضاً سخرية لانصراف الناس عن واقعهم وعيشهم الوهم في استقبال المستوردات غير الضرورية التي أغرقت السوق التي تنظر إليها فتراها معبأة بما طاب ولذ ، ولكن عندما تنظر إلى إنسانها ترى الضنك في عينيه .
ولا يجهل القاص التحول الذي حدث في العاصمة الجديدة (وندر لاند) التي لبست ثوباً غير ثوبها ، فبدأت غريبة في كل شيء ، ويعمد القاص إلى ينسب هذا التغيير إلى المنظومة الدولية التي كان يهمها هذا الانقسام ، فرحبت به ، ورمز لذلك ب ( العولمة ) ، وقد عبَّر القاص عن ذلك بهذا الوصف : (وأصبحت وندر منطقة تغيير كبير ليس لسكانها وثقافتهم وحضارتهم فحسب بل لثقافة البلد كلها.العولمة أضافت إليها ما لم يكن في الحسبان حيث تغيرت أزياء النساء والرجال وحدث تداخل بحيث لم تعد تنتسب ثقافة وندر لبلد بعينه) .
ولأن السياسة هي من صَنع هذا الوضع الغريب ، وهي التي جعلت الأمور عند ظهور هذا النظام وما تبعه من تشظي ( السودان الجنوبي ، والسودان الشمالي ) وهذا الانقسام الأخير هو الذي عليه بنى القاص فكرة قصته كنبوءة بأن الأمر صائر إلى التفرق والشتات ، وإن بدأت علامات التودد بين الجمسين في ارتطامهما الحميم ، ولكن هذا ما خُيل للمتوهمين الحالمين الذين دعوا إلى تبني ما أسموه الوحدة الجاذبة فاستدرجنا القاص إلى القبول بفكرة ظهور الجمسين الغريبين فوق سماء (بندر) التي هي مركزية السودان التي قضت على الهامش وجعلته كأنه غير موجود فلا حياة إلا بالخرطوم ولا صحة إلا بها ولا تعليم إلا فيها ، والسؤال المطروح هنا ، ما هو سر الالتقاء بينهما ( الجسمين ) في خط واحد ؟
وما سر البعد عن الناس كلما اقتربوا منهم ؟
وما سر البعد عن الضوء ؟
وما سر عدم تأثر الجمسين بالضوء ؟!
هذه أسئلة يتركها القاص لنجيب عليها وكأنه يريد منا المشاركة في نقد الوضع السياسي الراهن ، وكشف المستور وخفايا الظلام ...
فلا رأينا تأثير لقوة الارتطام ولا شيئا من ذلك مما يؤكد أن الجسمين جسم واحد وإن ما يحدث محاولة من كليهما للبقاء مستقبلاً ، والسيطرة حالياً بمعنى أنه إذا قدِّر لأحدهما أن يزول ، ويذهب به إلى مذبلة التاريخ وهذه حتمية لا جدال فيها ساعتها يبدأ الجسم الثاني في الظهور مستعرضاً ارتطاماته مع الجسم المغضوب عليه معلناً أنه كان معه في صراع من أجل الالتقاء والتوحد منذ بداية ظهورهما ، ولكن القصد ليكون هو الأعلى والمسيطر ، فهذه دلالات نستشفها من وحي سرد القاص حين يقول : (فالجسمان يرتطمان يبعضهما ثم يبتعدان وفي كل لحظة ارتطام يصدر عنهما صوت خافت لا يشبه حجم وقوة الارتطام، كما أن الاصطدام لا ينبثق عنه ضوء ولا انكسار ولا غبار ) .
من المتفق عليه أن مرحلة ما بعد (الحداثة) في القصة ، وعدم تحديد نمط معين للأجناس الأدبية في المعالجة والنقد جعلت القصة والرواية لهما القدرة على توجيه النقد من خلال السرد القصصي ، الذي أصبح له دور في نقد ثقافة الصمت وحرمان الشعوب وكبت الحريات ، وهذا ما تبناه القاص في قصته كأداة فاعلة ، إذ كيف يعقل أن يظهر جسمان غريبان هكذا والناس يتفكهون ولا يعبهون بما يمكن أن تصير إليهم الأمور من كذا شيء غريب وعجيب لا يهمه ما يجري من حوله ، وقد أبدع القاص في تصوير هذا التعالي عندما ذكر أن خاصية هذين الجسمين أنهما يبتعدان كلما اقترب الناس منهما ليعيشا في برجهما العاجي بعيدين عن تطلعات الشعبين في الاتجاهين ، والمقصود هو النظام السياسي هنا وهناك .
بشرى الفاضل قاص مبدع بحق وحقيقة ويحتاج إلى قراءة من نوع خاص لما يمتلكه من مقدرة فذة على الإيهام بشيء ظاهر ويريد به شيئاً آخر في الباطن ، فالناظر إلى القصة لأول وهلة يحس أنه موعود بقصة من قصص الخيال العلمي ، ولكن سرعان ما تتكشف الأمور وتتضح وتعرف أنك تطالع وقائع حقيقة أعطاها القاص هذا البعد العلمي حتى يشد المتلقي إليه من أجل أن يتعرف على كنه هذين الجسمين الغريبين ، فاستخدم القاص ذلك التكنيك عن قصد ليمازج ما بين غرابة ما يحدث في الواقع بغرابة العرض القصصي الذي أمامك ، ودافعه في ذلك النقد والدعوة إلى الإصلاح ، فهو قاص يمتلك لغة المثقف الناقد الحر الذي لا تقيده الحدود متمثلاً في ذلك لغة التغيير وأبجديات الخطاب الحداثي .
فالقصة على وجه العموم تتناول مقاطع نقدية للواقع برمته في ظل الوضع السياسي ، أسقط عليه القاص اللاشعور ، مستخدماً حال استلاب الأنا الناطقة ، وظلال لغة كبت الحريات ، فتتحول لغة السرد في هذا النقد السياسي البين إلى نقطة سوداء في الواقع ومفادها ؛ حرمان المجتمع من الشعور بالسلام والأمان في ظل واقع/نظام مدلهم أحادي النظرة صارم في المنع وخلق حالة الرمادية حول الواقع المعاش ، فلا عرف الناس في الاتجاهين الإنكار ولا استطاعوا المقاومة !
دلالة الزمان أسهم القاص في تصويرها بشكل مُهندَس مهد له بإثبات عشرية العقد المتعارف عليه أسماه العقد القديم ثم بعد ذلك حدد عقده الجديد بسنتين وهذا العقد الجديد تجد فيه دلالة تسارع الأحداث ، وتناسي الناس أن السنين تمر ، فأراد التنبيه على عدم الركون إلى طول الأمد ، فيجب على الجميع العمل بسرعة لتدارك الذي حدث .
انظر إلى تمويه القاص حين يقول : (العقد في زمن الشبكة الدولية لم يعد عشر سنوات بل سنتان لا غير ) .
كل هذه يربط القاص بينها بما أشار إليه في نهاية القصة حين يقول واصفا ما آلت إليه (بندر) من تحول أصاب حتى الناس في قدرتهم على تمييز الأشياء : (بعد نهاية عشرة عقود بالجديد استيقظ سكان وندر لاند الذين أصبحوا أميين إلا من الخبرات السياحية الهائلة ويجهلون خبرة الأجداد في الزرع والضرع ... ) فبعملية حسابية بسيطة إذا قمنا بضرب 2في 10 يكون الناتج 20 عاماً عجاف هي الواقع الذي نراه في التردي الذي أصاب (بندر) في كل شيء حتى أخلاق الناس ... فهاهُم يتفرجون على سادية الجسمين اللذين يتابعان ، فصول القتل ومشاهد التشريد والتنكيل وتكميم الأفواه والاهتمام بمظاهر الحياة وبريقها معتمدين في ذلك على (النفط) الذي سد أعين القوم في (بندر تحديداً) عن التبصر بالإغراق في ( السياحة ) وترك الزراعة ( إهمال مشروع الجزيرة نموذجاً ) فهذا التعجل في فناء الأمل الأخضر هو الذي جعل القوم ( شرطهم الضحك) بعد أن انكشف القناع وتعثر الاقتصاد وعام الجنيه في بحر كان ..
وتتسع مساحات القصة في رؤاها النقدية لتبلغ مرحلة أكبر ، وهي تناقش ما سيترتب على مسألة انفصال الجنوب عن الشمال مستقبلاً ، وذلك بشكل واضح وصريح ، وكيف أن القوم عندما أصبح صبحهم ولم يعثروا على أي أثر للجسمين ( دلالة عدم المقدرة على مجابهة التحديات الدولية في ظل التشظي ) يقول القاص : (فلم يجدوا للحجرين في سمائهم أثراً . لقد اختفيا كما جاءا من المجهول وإلى المجهول. (الضحك شرط) مدينة وندر ومن بعدها بلاد وندرلاند .أما أطراف (العولمة) التي أصبحت تلملم أطرافها عن هذه البلاد فقد غرقت في ضحك من نوع آخر كأنها لم تذهب إلى هناك أصلاً).
انظر إلى تحول الوصف من جسمين إلى حجرين ( دلالة الفناء ) فصار الأمر منفِّراً حتى للذين هندسوا الانقسام من ( أطراف العولمة ) لملموا أطرافهم ونسوا الأمر كأنه لا يعنيهم بعد أن انكشف الغطاء وصارت المباني الشاهقة ( السياحة ) خرابات ينعق فيها البوم.
وقد عبَّر عن ذلك القاص بقوله :
(وخلال اقل من عقد بالجديد استعادت القرية المدينية اسمها القديم (بندر) ولم تعد تتشرف بإلحاق اسمها بالبلاد .أصبح اسمها بندر فحسب.وشيئاً فشيئاً تحولت مبانيها الشاهقة إلى خرائب ينعق فيها البوم) .
لم يخف بشرى الفاضل في هذه القصة عدائه للعسكر الذين وصفهم من قبل في قصته ( حكاية البنت التي طارت عصافيرها ) بأن أجمل ما فيهم مشيتهم التي أخذتها منهم البنت التي طارت عصافيرها ، وفي هذه القصة يشير القاص بوضوح إلى غباء العسكر عندما يعطينا تصورهم لأمر ظهور الجسمين فما كان منهم إلاَّ أن قالوا : (وقرّ رأى بعض العسكريين على إطلاق قنبلة على أحد الجسمين ) لاحظ أن القرار العسكري بأن تطلق القنبلة على (أحد الجسمين) هكذا أطلقها القاص مطلقة دون تحديد الجسم المستهدف مما يشير بوضوح إلى روح العداء المستحكم لدى البعض من الجانبين الذين منهم من ذبح الثور الأسود يوم الانفصال !
ولا يفوتني أن أشير إلى أن القاص تنبه لأمر هام هو عدم التعميم عندما ذكر كلمة ( بعض العسكر ) مما يفهم معه أن كل التقدير لأؤلئك العسكر الذين همهم الدفاع عن الوطن وترابه تاركين أمر السياسة لأهلها الطبيعيين دون التدخل في حماقات التدخلات العسكرية لقلب أنظمة الحكم جاعلين منها منصات لإنزال الأحكام الفورية الإلغائية للإنسان في الوجود ، وفي مقدمتها حق الحرية والتعددية السياسية في المجتمع .
ومجمل القول إن النص جعلنا نقف على متناقضات آليات الفهم لدى السلطة الأحادية وكل الأنظمة الشمولية التي تفهم لغات عشق الوطن بشتى أطيافها في الحرية و الديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية بأنها محض خيانة تستحق الإقصاء ، والسحق ، وفي المقابل الرفعة والتمكين للطبَّالين وحارقي البخور...
وأخيراً هذه قراءة ، وقد تكون هناك قراءات مختلفة عن هذه ، ولكل وجهة نظره وتبريراته ، ولكن لا بد أن نشير إلى رأي الدكتور بشرى الفاضل نفسه الذي يرى : ( أن للكل الحق في قول رأيه حول القصة بما يرى ، ولكن أرجو ألا يكون إسقاط حالة معينة ومحددة بذاتها
وأشياء من خارج النص أن تأتي بمباشرة شديدة ، فلابد من المحافظة على غلالةالإيهام التي يعمد إليها الكاتب بما يجعل النص صالحاً لأمكنة وأزمنة عديدة بدلاً من تعيين حالة واحدة له فيحترق بعدها).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.