د.حامد موسى بشير [email protected] ذلك النوع الذي يقسم الرأس إلى قسمين ويجعل مخك يرتج داخل جمجمتك ، إذا ما حركت رأسك مجرد حركة مليمترية.... تغادر المصلحة الحكومية التي تعمل بها ، عالما إنها المرة الأخيرة التي ستغادرها فيها.... مدير المصلحة يقول لك بصوت مشفق : - جاء قرار بالإستغناء عن خدماتك يا أستاذ عباس - ولكنني لم أتجاوز حتى الأربعين ، وسجلي نظيف وخالي تقريبا من الأخطاء المدير ينظر لك بنظرة معناها واضح ، هو أنك تعرف سبب طردك ، ثم يهرب بوجهه منك ويقول : - هذا هو القرار يا أستاذ عباس وهو صادر من جهات عليا.... وما على المدير إلا البلاغ ... والتنفيذ صداع .. صداع يمزق رأسك وأنت تطالع التقرير بنصف وعي ، بينما المدير يهمس لك: - أخبرتك من قبل أن تتنازل قليلا يا أستاذ عباس ... أنت موظف ممتاز وبطاقة الحزب كانت ستزيد مركزك قوة ... قلت لك تظاهر مجرد تظاهر إنك معهم كما يتظاهر الألاف ليعيشوا ، ولكنك تتمسك بعناد بمبادئك.... هذه هي النتيجة يا أستاذ عباس ترمي التقرير ، وتغادر مكتب المدير... بصمت تجمع حاجياتك ، من مكتبك وتغادر المصلحة.... ليس لديك سيارة يا أستاذ عباس . لماذا ؟ لأنك موظف شريف عملت خمسة عشر عاما من عمرك في خدمة الدولة ، بدون أن تسرق ، أو ترتشي ، أو تداهن ولا مرة واحدة ، بينما مديرك الذي ظل كذلك خمسة عشر عاما ، بدل سيارته خمسة عشر مرة .... هذا هو الجواب يا أستاذ عباس تعرج على السوق لتبتاع بعض المستلزمات للبيت ... أنت متزوج حديثا ، من عامين فقط وتسكن في بيت إيجار يلتهم نصف راتبك، ولكنك لم تسرق .... الجزار يخبرك عن سعر اللحم الذي يتضاعف كل عام بصورة تفوق طاقتك.... ولكنك لم تسرق.... بهت لون بذلتك الباهت أصلا .... ولكنك لم تسرق... وزحف الصلع إلى رأسك ولكنك لم تسرق صداع ... صداع زاد من حدته حرارة شهر يونيو الجهنمية ... تدخل العيادة لتقابل الطبيب الأخصائي الذي أخبرك بضرورة عمل صورة مقطعية للرأس لمعرفة سبب الصداع.... يتبادل حديثا هامسا بالإنجليزية الطبية الممزوجة باللاتينية مع طبيب شاب واضح إنه يتدرب.... أنت لا تفهم اللاتينية يا أستاذ عباس ، ولكن لديك معرفة لابأس بها بالإنجليزية.... معرفة جعلتك تفهم إن الأخصائي يدرب الطبيب على صورك ، و إن هذه الصور باهظة الثمن حقا و.... إن كلمة تعني سرطان( Cancer) ****************************************************** صداع.... صداع تعود إلى البيت وقد أظلمت الدنيا في وجهك..... زوجتك نائمة وفي حجرها إبنك ذو العام الواحد نائما هو الآخر محتضنا دمية ضخمة من ذلك النوع الذي يعمل بالبطارية ويبكي ويضحك مثل الطفل الرضيع.... تبدل ثيابك وتتمدد على السرير..... لا توجد كهرباء ، والماء مقطوع والحرارة تتزايد داخل الجدران .... ذبابة لعينة تطن جوار أذنك.... العرق يسيل على صدرك .... الصداع يتزايد ... صوت السيارات وهي تمر جوار البيت مزعج للغاية.... الحر يتزايد .... الذبابة اللحوح تطن وتهبط جوار عينك..... الطفل يستيغظ ويشرع في البكاء ... الدمية كذلك تبكي.. صداع ... ذباب... حر ... سيارات ... عرق ... بكاء ... سرطان فجأة تنفجر يا أستاذ عباس... تصرخ بكل ما تملك من قوة في حبالك الصوتية ،ومن هواء في رئتيك : - كفاااااااااااااااااااااااااااااية وتهجم على الدمية بشراسة ، وتنتزعها من حجر الأم وتمسكها من قدميها وتضرب بها الحائط بقوة وعنف... يجب أن يخرس هذا الصوت يجب أن يخرس.... زوجتك تصرخ ، والبكاء يتزايد ولكنك تضرب وتضرب حتى يتوقف البكاء ***************************************************** ( سيدي القاضي..... إنني لا أترافع اليوم عن قضية عادية ...إنها شئ لا يصدق ... شئ يشيب لهوله الرضع .... إنني أتحدث عن أب تنازل عن كل معاني الأبوة ، والإنسانية ، والرحمة وهبط إلى أسفل درك من الحيوانية وهو يقتل إبنه الرضيع ضربا بالحائط حتى أنفجر رأسه وسط صراخ أمه الملتاعة وأمام عينيها..... سيدي القاضي لا تأخذنكم رحمة بهذا المجرم ، وليكونن عبرة لمن يعتبر... سيدي القاضي إنني..... صوت وكيل النيابة يتردد بصدى رهيب داخل قاعة المحكمة ، وأنت تقف خلف قضبان قفص الإتهام .... المحامي يتجادل مع وكيل النيابة... يستجوب الشهود ... مديرك في المصلحة يقول إن فصلك من العمل ربما أصابك بالجنون... وكيل النيابة يستنكر ... تحاول أن تتكلم ... أن تخبرهم أنك لم تكن تقصد إبنك وإنما الدمية ، ولكن الصداع يتزايد ، والحر يتزايد والصوت عالي جدا في القاعة ، وتلك الذبابة تركت كل الحضور وهبطت على وجهك أنت .... تضربها بقوة ولكنها تهرب فلا تضرب غير خدك.... صداع ... صوت عالي ... ذباب ... صداع... من جديد تفقد أعصابك ، ووتصرخ بتوحش: كفاااااااااااااااااااااية ولكن قضبان القفص كانت قوية وقاسية للغاية يا أستاذ عباس تمت د. حامد موسى بشير