هند عبدالرحمن صالح الطاهر [email protected] في الماضي كان إنتقاد القوات المسلحه يعني المساس بالأمن القومي وتخطي للخطوط الحمراء ولكن حينما لم يعد النصر لنا وباتت المصلحة الشخصيه ومصالح الحزب وحماية المناصب فوق مصلحة الوطن دعونا نتباكى على ماضي كنا نستمتع فيه بسياسة حسن الجوار، لا نتعدى على حقوق الجيران ولا نتطفل بالتدخل في شئونهم الداخلية ، تقودنا دبلوماسية فذة عبر خارجية أجاد أفرادها فن التعامل مع الآخرين واستطاعوا المحافظة على علاقات معتدلة مع الدول العربية و الغربية. أما قواتنا المسلحه فقد رفعت راية حماية الوطن عاليا ً وحفظت أرضه وكرامته حينما كانت الكلية الحربيه مصنع الرجال وعرين الأبطال.. رجال أقسموا على حماية الأرض بالروح والدم، خاضوا المعارك واستبسلوا في الحفاظ على أرض المليون ميل ولم يدر بخلدهم يوما ً أنهم سيشهدون إنفصال الجنوب الذي إخضرت أرضه بدمائهم ؛ كانوا مسلمين بالفطره درسوا في الخلاوى وفقهوا معنى الدين الحق الذي يحافظ على كرامة الوطن والمواطن ووحدة التراب وكفالة حرية الأديان في وطن تعددت ثقافاته وأعراقه وأديانه. فرض عليهم إرث المستعمر حرب أهلية مع جنوب السودان قرابة الأربعة عقود لم يشاهد فيها المواطن العادي صورة لأحد قادة التمرد، جلسوا حول موائد الحوار وبادروا بالمفاوضات من مواقع القوة! حتى نخرت دابة الأرض في جسد القوات المسلحه فتآكل الدرع وانكسر المرق وانهار البنيان وانكشف الغطاء وبحجة الشريعة السمحاء وتحت غطاء الدين إختلط الحابل بالنابل.. لم يعد جنود الوطن حماة الوطن بل إشتعلت نار الفتنة البغيضه وبات من يرفع شعار الحزب الحاكم له الحق في البقاء والترقية والفارهه والشاهقه أما من رفع شعار الوطن الواحد فمصيره الإعدام أو التقاعد والتجريد من الرتبه والبقاء خلف الكواليس يبكي ماضيه في لقاءات شحيحه لقدامى المحاربين ومن يؤرقه وخز كرامته يكتفي باغلاق كباري العبور بين الولايات ويمنع حركة المركبات إحتجاجا ً على تأخر صرف إستحقاقاته الماليه! وتتبقى قلة لا تتبع لهذا أو ذاك، لم تشعر يوما ً بالإنتماء بل الأمر بالنسبة لها مجرد وظيفه وراتب حتى فقدت النجوم والصقور والمقصات بريقها وباتت معدنا ً صدئا ً ولم يعد لها مكانا ً في قلوب الحسان وأشعار الحكامات وأغاني البنات وملكات التمتم. طوال الحرب الأهليه والمواطن يدفع فاتورة الحرب دون ضجر أوشكوى لأنه يدفع ضريبة حماية الوطن حتى ظهر نبت شيطاني تبنى تجنيد آخرين خارج مظلة القوات المسلحه وباتت هناك قنوات أخرى للصرف بحجة الحرب ولم يعد للجيش الزاد أو العتاد وبات النصر الزائف ينسب لغيرهم وتحولت الكتائب إلى فرق موسيقيه تصدح آناء الليل وأطراف النهار بالأناشيد الحماسية الجوفاء وبات نظم القصائد والجلالات مصدر دخل للمرتزقين. وفي ظل هذا الواقع المرير إنفرط العقد وانفصلت عرى الوطن الواحد بحجة السلام ففقدنا الأرض والسلام..وهاهي طبول الحرب تدق ولكن هذه المرة مع دولة لن تكتفي بالجزء الذي إنفصل بل ستمتد أطماعها لكل السودان الشمالي وربما راودهم حلم زعيمهم الراحل بأن يتخضبوا بالحناء في بارا ويقطعون الرحط في شندي ألم نخضع ونستسلم ونبيع! فها نحن الآن ندفع ثمن البيع ومن قبض الثمن يعي تماما ً أنه لن يصمد طويلا ً وقد حسب حساب ذاك اليوم بالأرصدة المتضخمه في البنوك الخارجيه والشقق في عواصم البلدان والشهادات والجوازات الأجنبيه للأبناء والأحفاد، وانحصرت أخبار حماة الوطن في الهزائم والتقهقر وأخبار الإجتماعيات عبر الصحف السياره من ختان وزواج ووفيات! عبر عقود من الحرب الأهليه كانت القبائل المتاخمه للحدود مع الجنوب تقف سدا ً منيعا ً إلى جانب القوات المسلحه على رأسها قبيلة المسيريه التي ظلت تدافع عن الأرض والعرض ولكن دابة الأرض وعبر سياسة فرق تسد إستطاعت أن تجعل من المسيريه عجايره يدافعون عن أبيي وفلايته يدافعون عن هجليج وفي الحالين يذهب عائد البترول لساكني كافوري والمجمعات السكنيه! أما تلفزيوننا القومي والذي لم يعد قوميا ً أو وطنيا ً فقد ظل يبث مباريات الدوري الهزيل الذي لن يبارح لاعبيه مستوى المحليه وكرة الشراب واكتفى بتكرار الشريط الذي يحوي تهديد ووعيد الناطق الرسمي وإمعانا ً في الإستفزاز والتلاعب بمشاعر الأرامل والثكالى أعاد بث حلقات ساحات الفداء التي تحكي ضياع جيل من الشباب الغض الذين راحوا ضحايا الحرب الأهليه والآن يرقد رفاتهم في دولة معاديه دنسها الإنفصال وربما نلجأ يوما ً لسياسة تبادل الرفات لإعادتهم إلى ما تبقى من وطن وقد كان على رأس هذا التلفزيون يوما ً ما من جعلته نشوة هي لله يدفع بفلذة كبده الغض والذي لم يكمل دراسته الجامعية حينها إلى أتون الحرب فرحل الإبن وترك أبا ً مفجوعا ً يعتصره الألم وتحرقه الحسره فانعكست معاناته النفسيه بصب الزيت على نار العنصرية والإنفصال والبغضاء. وكالعاده يكتفي أعضاء المجلس الوطني بالشجب والإستنكار وإستدعاء وزير الدفاع في جلسة طارئه هدفها الحصول على المظروف الذي يحوي الجنيه الذي بات عارا ً على سوق العمله! وفي هذه المرحلة الحرجه من تاريخ الوطن المبتور ننادي أبناء السودان من رضعوا من ثدي رابحه ومهيره ومندي وتاجا بأن أزيلوا اللحى وعودوا للثكنات وأعدوا العدة للزود عن حياض الوطن فلم يعد هاجسنا من يحكمنا بل من يحمينا يا جيشنا ؟.