قراءة تانية مهرجان الخرطوم للفن الإفريقي السر قدور شهد العام ( 1961 ) خروج أول فرقة ( فنون شعبية سودانية ) لتقديم عروضها خارج الوطن ،ذلك عندما سافرت فرقة ( شعلة إفريقيا ) بدعم من السيد القاضي عبد الرحمن النور وزير الإعلام في حكومة السيد الصادق المهدي الأولى إلى إثيوبيا لتقدم ثلاثة عروض على مسرح ( هيلاسلاسى ) في العاصمة ( أديس أبابا ). ونسبة للنجاح الكبير فقد تم الاتفاق مع منظمي الرحلة على تقديم ثلاثة عروض في ثلاث مدن إثيوبية كبيرة هي دريداو .. ونزاريت .. وهرر ، والعودة إلى أديس أبابا قبل تقديم العرض الأخير في أسمرا عاصمة اريتريا قبل العودة برا إلى السودان. وعند الوصول إلى مدينة ( نزاريت ) وجدنا صفا طويلا من الناس يقف أمام احد المحلات المشهورة في سوق المدينة وعند السؤال عرفنا إن هذا الصف والتزاحم هو من اجل وصول اسطوانة سودانية للفنان حسن عطية، وهي اسطوانة الأغنية الخفيفة ( حنن مجافي عنيد ). وبعد ذلك لاحظنا هذا الإقبال الشديد على الاسطوانات السودانية في سوق ( الماركاتو ) في أديس أبابا وفي أحد المحلات الشهيرة في اسمرا عاصمة اريتريا .. ذكرت هذا بعد عودتنا لعميد الفنانين احمد المصطفى الذي فكر جديا في تأسيس شركة لإنتاج وتوزيع الغناء السوداني في إفريقيا، وكان من بين الذين وافقوا على قيام الشركة الفنان محمد وردي والعازف علي ميرغني. ومرت هذه الصور والأحداث بخاطري وأنا في طريقي إلى مقر الجمعية الإفريقية بحي الزمالك بالقاهرة لإلقاء محاضرة بعنوان ( أثر الغناء السوداني في إفريقيا ) .وذكرت فيها إن نجوم الغناء في الدول الإفريقية المجاورة قد تأثروا بالأغنية السودانية من ناحيتي الشكل والمضمون، وان هذا التأثير بدأ مبكرا منذ الأربعينات ومع رحلات عميد الفن الراحل محمد احمد سرور إلى شرق إفريقيا، ثم بعد ذلك عبد العزيز محمد داود في دول غرب إفريقيا، وبعده محمد وردي وسيد خليفة في العديد من البلدان الإفريقية .. وقدم المطرب التشادي خالد عثمان الدليل على قوة هذا التأثير عندما قدم مجموعة من أغنيات الفنان محمد وردي وجدت تجاوبا واضحا من الحاضرين،وكان من بينهم مجموعة من الدبلوماسيين الأفارقة منهم سفير الجزائر وسفير جمهورية تشاد. وفي صالون دار الجمعية الإفريقية بعد المحاضرة كانت هناك جلسة قصيرة تحدث خلالها السفير محمد حبيب دوتم سفير دولة تشاد والسفير محمد نصر الدين رئيس الجمعية الإفريقية والأستاذ محمد أبو العيون رئيس أسرة وادي النيل وأتفق الجميع على انه لابد من قيام مهرجان للغناء الإفريقي، وان يكون مهرجانا سنويا يجمع كل فناني إفريقيا، وان تتم نقل فعاليات المهرجان خلال شاشات التلفزيون إلى كل شعوب القارة الإفريقية .. واقترح السفير محمد نصر الدين أن تكون الخرطوم هي المقر السنوي لهذا المهرجان باعتبار أن السودان يمثل همزة الوصل بين دول الشمال الإفريقي ودول الجنوب الإفريقي. وأنا هنا احمل ما دار في تلك الجلسة وذات الاقتراح إلى المسئولين في مقدمتهم وزير الثقافة السيد السموأل خلف الله وفي اعتقادي إن الاقتراح يستحق الدراسة والعناية ولأن قيام هذا المهرجان الفني الكبير سيحقق فوائد كبيرة لا للفنون الإفريقية أو العلاقات بين السودان وأشقائه الأفارقة، بل انه سيعمق دور السودان القيادي والمؤثر في مجال الفنون والثقافة الإفريقية ،كما انه سيكون مناسبة للتعريف بالسودان ودعما ودعاية وتشجيعا للسياحة الإفريقية في بلادنا .. إن مثل هذا المهرجان يحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة لا يجب أن تتحملها الدولة وحدها ،بل يجب أن تجد الدعم والمساندة من كل مؤسسات القطاع الخاص وكذلك الدعم من المنظمات الثقافية الدولية .. إن مهرجان الخرطوم للغناء الإفريقي سيكون خطوة فنية وثقافية واقتصادية كبيرة أتمنى أن نعمل على تحقيقها. وقد قال فيلسوف الهند طاغور: إذا أردت معرفة امة فعليك أن تستمع إليها كيف تغني. الراي العام