[email protected] مقترح دستور لإتحادات الطلاب.. قد يكونُ فتحاً جديداً للجامعات هل يضع المقترح الجديد بداية النهاية للعنف الطلابي؟؟. تقديم: (أجمل الناجين من الذبح.. صار يعبُدُ خنجراً).. هكذا وكما صوّر الشاعر عاطف خيري صارت البيئة الجامعية.. سواطير.. وعِصي.. وسيخ.. وقنابل ملتوف.. أهذه هي الجامعات؟؟.. أهذه هي منارات الوعي واسواق المعرفة؟؟.. أهؤلاء هم الطلاب الذين ينتظرهم السودان ليصبحوا قادة الغد؟؟.. أبشر بالظلام إذن يا وطن!!.. وزِد دموعاً فوق البشارة. المشكلة دائماً تتعلق بالنصوص.. ولا تقف في حدودها.. في لوائح إجراء الإنتخابات.. ولا تُوُزَع عندها.. أو في اسس تكوين الإتحادات.. ولا تأبه لها.. لهذا كان لا بُدّ من مراجعة تلك النصوص أولاً.. فهي ليست مقدّسة.. ولا مُنزّهة.. ولا ينبغي لها.. هي جهد بشري قابل للجُرحِ والتعديل.. فما كان صالحاً لجيل الأمس قد لا يصلح لجيل اليوم.. وما خدم قضايا الطلاب والجامعات تضمُّ بضع مئاتٍ من الطلاب.. (قد) لا يخدمها وهي تحوي عشرات الآلاف من طلبة الدرجات العلمية في الدبلومات والبكالريوس.. وكما ذكرتُ من قبل في (زمانٍ مثل هذا) بأنّ البلاد مقبلة على أكبر تحدياتها السياسية وهو وضع دستور دائم.. فنحنُ وطنٌ بلا دستور حتى هذه اللحظة.. دساتيرنا كلها إنتقالية.. وأشواك الشك تطعنُ حلقوم كلُّ من يمتهن السياسة حين يتذكر أنّ عربة دستور السودان الجديد (قد) تمضي من دونه قسراً.. أو تتركه نائماً حين تبدأ الرحلة.. بقلم: الصادق المهدي الشريف البداية: بدأت الفكرة حينما إتصل بي هاتفياً البروفيسور عوض السيد الكرسني عميد الطلاب السابق بجامعة الخرطوم حاملاً إليَّ نبأ تكليفي ضمن لجنة متعددة العضوية لوضع دستور لإتحاد طلاب جامعة الإمام المهدي.. وأعقب ذلك إتصال تأكيدي من البروفيسور بشير محمد آدم مدير الجامعة.. سمعتُ الخبر أولاً.. وتأنيتُ في الرد.. أستخرتُ ثمّ توكلتُ على الله.. فهذا مجال من العمل العام لم اطرقه من قبل.. تولى رئاسة اللجنة البروفيسور عوض السيد الكرسني عميد شئون الطلاب بجامعة الخرطوم والرجل له خبرة طويلة مع اتحادات مختلفة لطلاب الجامعة.. وفي عضويتها بروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن وهو غنيٌّ عن التعريف.. فبجانب أنّه مدير سابق لجامعة الخرطوم فهو رجلٌ له قاعدته الطلابية الواسعة التي سعاها بتهذيبه ودماثة خلقه، بجانب أنّه رئيس لجنة وضع دستور جديد لجامعة الخرطوم.. وفي عضويتها البروفيسور هاشم الهادي والذي كان مديراً أسبقاً لجامعة الخرطوم، ومتميزٌ بهدوئه وعقلانيته.. وكذلك البروف أبوبكر على أبو جوخ عميد الشئون العلمية السابق بذات الجامعة، ونائب المدير وله خبراتٍ وافرة مع الطلاب. وحينما كان بروف هاشم مديراً لجامعة الخرطوم وبروف أبو جوخ عميداً لشئونها العلمية كنتُ وقتها طالباً بقسم الكهرباء بكلية الهندسة، لذلك سرّني وجودي بينهم، ومن العضوية ايضاً خبير القانون والأكاديمي المعروف دكتور الطيب مُركز رئيس قسم الملكية الفكرية بجامعة الخرطوم، والدكتور العقيد شرطة عبد الحليم عبيد أحمد، ومن جامعة الإمام المهدي شارك الدكتوران بلال الإمام ومحمود محمد.. وتولى الأستاذ صلاح الحاج على الرجل عظيم التهذيب مقررية اللجنة وهو مدير المكتب التنفيذي لمدير الجامعة. سعدتُ بصحبة (بروفات) من الزمن الجميل.. بل وتوهمتُ بأنّني (بروف تحت التمرين).. لم تكتب أمامه بعد كلمة (إحذر) عسى ان لا يبتعد عنه الناس طلباً للسلامة مثلما يبتعدون مِمَن يتعلمون قيادة السيارات (إحذر: سائق تحت التمرين). معالم: الدستور الجديد أقرّ حقيقة مهمة.. وهي أنّ الإتحاد هو (أحد أجهزة الجامعة) ومسؤول عن تنظيم أنشطة الجامعة وإثراء الحياة الجامعية والحفاظ على إستقلالها.. إضافة الى الإهتمام بالقضايا القومية وتوطيد العلاقات مع الطلاب على إمتداد العالم (وسوف نعود لهذا الأمر في خاتمة المقال).. الهدف الأكبر للإتحاد هو بناء القدرات القيادية لدى الطلاب وتأهيلهم ليصبحوا قادة المستقبل (كما تنادي بذلك اليونسكو.. منظمة الأممالمتحدة للثقافة والعلوم).. وكونه أحد أجهزة الجامعة فذلك لأنّه مثل إدارات الجامعة المختلفة.. كعمادات الكليات.. وشئونها العلمية.. وشئون الطلاب.. في المستويات المختلفة مادون التخرج (Undergraduate).. وهو كجهاز جامعي يجب على الجامعة أن تموِّل أنشطته من ميزانيتها.. بيد أنّ لديه دستوراً مختلفاً.. يجعله مشرفاً على العديد من الأنشطة الجامعية.. السياسية والإجتماعية.. والجمعيات العلمية بالكليات.. والروابط المناطقية والإقليمية.. والأندية المختلفة.. وينظم المنافسات السياسية (الإنتخابات والحوارات) والأنشطة الرياضية والعلمية بين الطلاب.. هو جهاز منفصل في إدارة شئونه وفق لوائحه ونظمه.. لكن تجمعه كثير من الأهداف مع إدارة الجامعة.. أولها وأهمها هو الإستقرار الأكاديمي.. وبالتالي فهو يعمل بصورة تكاملية لا تناحرية مع قيادة الجامعة.. هذا مختصر المفهوم العام للإتحاد.. ومن الملاحظ أنّه ذات المفهوم القديم مع بعض التطوير. مالياً يتعامل الإتحاد مع الجامعة بعد وضع تقديرات لميزانية تسيير أنشطته.. والتي تُناقش داخل اللجنة التنفيذية للإتحاد وداخل المجلس الاربعيني.. ولو إقتضى الحال داخل الجمعية العمومية.. ثمّ تُرفع الى إدارة الجامعة.. ويكون الإتحاد مسؤولٌ أمام الإدارة المالية للجامعة بذات قدر المسؤولية أمام مجلسه الأربعيني. النِصاب.. ربع العُشر: لو كان نصاب إنتخابات الإتحادات الطالبية (وليس الطلابية كما يُشاع.. فالنسب يكون للمفرد وليس للجمع).. لو كان نصاب الإنتخاباتِ مثل نصاب الزكاة (ربع العشر 2.5%) لنجحت كل الإنتخابات ولم تسقط بذريعة عدم إكتمال النصاب.. ولكن لسنواتٍ وسنواتٍ.. يكابد طلاب جامعة الخرطوم (مثلاً) لإجراء إنتخابات لتكوين إتحادهم ويفشلوا.. لسببٍ يرتبط بالنصوص التي تُحدد النصاب.. حيث حدد الدستور القديم النصاب بتجاوز المقترعين لنصف عدد الطلاب زائداً واحد طالب (50% + 1). أحد التنظيمات السياسية بجامعة الخرطوم يملك عضوية تتجاوز الالف وخمسمائة طالب.. عضويته تتسم بالإنسحاب ومجافاة الأنشطة الطالبية.. إعتاد هذا التنظيم في الساعات الأخيرة للعملية الإنتخابية أن يُصدر التوجيهات لعضويته بالمقاطعة.. فيقاطعوا الإنتخابات.. فيفشل الطلاب في الحصول على النصاب اللازم للإعتراف بإتحادهم.. وحسب نصوص الدستور يجب أن تُعاد الإنتخابات مرةً أخرى وفي كلّ كليات الجامعة.. ولكن كيف يمكن إعادتها بتلك التكلفة العالية والتي تصل الى مئات الملايين من الجنيهات؟؟.. في ظرف اسبوعين أو شهر؟؟.. والجامعات - كما تحدّث مديروها - لا تملك مثل تلك الأموال.. ولو وُجدت فمن الأولى ان تُوجّه للحيلولة دون إغتراب الأساتذة.. أو توجه للمعامل والمكتبات.. بدلاً عن صرفها على عملية سياسية يحاربها بعض المستفيدين منها بالأمتناع عن التصويت!!!. الدستور الجديد (أو النظام الأساسي كما يحلو للخبير القانوني الدكتور الطيب مُركَز أن يسميه، فهو يرى أنّ الاسم الصحيح هو نظام أساسي وليس دستور، لأنّ الدستور في البلاد هو دستور واحد وهو أب القوانين، ولا يصح تسمية دستوران في البلدٍ الواحدِ).. نقول أنّ النظام الاساسي/الدستور يعالج هذا الأمر من خلال توزيع الجامعة لدوائر إنتخابية هي الكليات.. حيثُ تمثل كلّ كلية دائرة إنتخابية منفصلة.. وتُجرى الإنتخابات على هذا الأساس فإن فشلت إحدى الكليات في بلوغ النصاب.. تتم إعادة الإنتخابات في الكلية المعنية وليس في كل الجامعة في خلال إسبوعين من تاريخ إعلان النتائج.. فإذا كان للتيار السلفي (مثلاً) وجوداً مكثفاً في كلية بعينها فإنّ يستطيع بإنسحابه أن يؤثر في أو يلغِ نتيجة الإنتخابات بالكلية المعنية ولا يؤثر على بقية الكليات.. فتعادُ الإنتخابات في الكلية وتؤخذ النتيجة بالعدد المشارك في التصويت.. وهو بهذا لن يستطيع إفسادها للمرة الثانية.. فضلاً عن تقليل التكلفة المالية.. بحصر الإعادة في كلية أو كليات بعينها وليس كل الكليات. وهكذا لن يفشل الطلاب في تكوين إتحادهم. إقترح القانون الجديد ان يكون الترشيح على اساس قوائم الكليات، فكلّ كلية تقوم بتقديم مرشيحها للمجلس الأربعيني للإتحاد، سواء تمّ ذلك وفق مفهوم سياسي أو أكاديمي، فقط يتيح هذا المقترح لطلاب الكلية أن يعرفوا من يرشحونهم ومن سيدلون له بأصواتهم!!، بدلاً عن النظام القديم الذي لا يعرف فيه الطلاب من يقترعونهم إلا من خلال القائمة الحزبية، فيدلي بعضهم بأصواته وفق التوجيهات الحزبية دون قناعة كاملة بالمُرَشح.. وهو ما يؤدي الى نفور الطلاب ومقاطعتهم للتصويت.. في الدستور الجديد ستكون الكلية هي الوحدة الإنتخابية.. منها يخرج المرشحون، وفيها تُعاد الإنتخابات في حالة عدم إكتمال النصاب. الجمعيات: من المقترحات الجديدة في الدستور هو تحديد وضعية الجمعيات والروابط (جمعيات الكليات والروابط الاقليمية والمناطقية) والتي تمّ التأكيد على أنّها أجهزة نشاط طالبي يجب أن تعمل تحت لواء الإتحاد لكن بمجلس مختلف ولجنة تنفيذية مختلفة، الإضافة الجديدة هي أن يكون مرشحو الكلية الفائزون في الإنتخابات للمجلس الاربعيني هم أعضاء في مجلس جمعية الكلية على ان يتمّ إكمالهم لعشرين عن طريق الإنتخابات المباشرة ويختار المجلس لجنته التنفيذية، وهذا يضمن إنتفاء أو تقليل أسباب الصراع بين الروابط والجمعيات من جانب والإتحاد من الجانب الآخر.. وهو صراع يُعطِّل ويؤخر كثيراً من الجهود التي يبذلها الطلاب لخدمة كلياتهم أو مناطقهم وأقاليمهم في أثناء العام الدراسي أو في فترات الصيف. الإمام.. عليه السلام: من اوائل الأسئلة التي كانت تلحٌ عليَّ وأنا أقبل بتكليف اللجنة هو أنّ التكليف بالبحث في أمر الإتحاد جاء من المدير.. بروف بشير.. وليس الطلاب.. الوضع السائد هو أنّ إدارة الجامعة ولجنة الإتحاد التنفيذية ضدّان لا يلتقيان.. وقد كفى الله البروف بشير شرّ الصراع مع الإتحاد.. لغيابه طوال السنوات السبعة عشر الماضية.. تصوَّروا.. منذ تأسيس جامعة الإمام المهدي في العام 1995م لم يقم إتحاد للطلاب ولم تُجرَ إنتخابات لتكوينه؟؟!!.. لماذا يبحث المدير عن المتاعب لنفسه ولإدارته؟؟.. كان من الممكن أن يقضي فترته كمدير للجامعة ويمضي كما مضى من سبقه من المدراء؟؟!!. السؤال الثاني الذي عنَّ لي هو أنّ البروف تولى أمر الجامعة منذ بضعة أشهر فقط.. كيف وجد كلّ هذا الحماس والإنتماء للجامعة في هذا الوقت القصير؟؟.. السؤالان لديهما إجابة واحدة.. وهي أنّ الرجل من المنطقة ومهموم بقضاياها. السؤال الأخير: لماذا لم يشرع الطلاب في تكوين إلاتحاد طوال هذه السنوات السبعة عشر؟؟.. الإجابة كانت من خلال الزيارة التي قمنا بها لموقع الجامعة.. فالبؤس هو الوصف الاقرب لحال الجامعة.. والشقاء هو الوصف الأدق للحالة التي يكابدها الطلاب.. طلاب لا يجدون الماء للشرب (مازالوا حتى وقتٍ قريبٍ يشربون من فناطيس الكارو) هل يفكرون في رفاهية (بناء قادة الغد ومتطلبات اليونسكو)؟؟.. طلاب تعيش الوطاويط فوق رؤوسهم في القاعات (هي ليس قاعات بل فصول مدرسة القوز الثانوية) ولا يجدون مع روائحها الكريهة الأكسجين النقي هل يفكرون في ابعد من إنتهاء اليوم الدراسي؟؟.. مدير الجامعة قام بمبادرة جريئة وهي التعامل مع النظام المصرفي لتمويل الجامعة من أجل تغيير البيئة الجامعية.. بنظامي (المرابحة) لشراء الاجهزة والمعدات ونظام (المقاولة) لطرد الوطاويط وصناعة بيئة دراسية معافاة.. ولكن تلك قصة أخرى سنعود لها لاحقاً. صفق الطلاب كثيراً لبروفيسور كرسني وهو يردد عبارة جامعة الإمام المهدي (عليه السلام) كأنّهم يسمعونها لأول مرة.. وكأنّهم إرتبطوا في تلك اللحظة بالتاريخ التليد الذي سطره الإمام المهدي بدماء آبائهم وأجدادهم.. وشعروا بعزّة الاسم وجذوره الضاربة في التاريخ. التبادل الطلابي: من المقترحات الجديرة بالمناقشة ما قدمه البروفيسور عبد الملك عبد الرحمن بأن يترك الإتحاد العمل الخدمي للجمعيات والروابط ويتفرغ الإتحاد للعلاقات الخارجية، فعمليات التبادل الطالبي (الطلابي) بين الجامعات في الدول المختلفة في آسيا وأفريقيا وحتى أوربا – حسب قوله - تتم بصورة يومية، في الوقت الذي تنشغل فيه إتحادات اطلاب السودانية بالعمل الخدمي اليومي مثل الدورات الرياضية في أحسن الأحوال، أو ينشغلوا بتحضير وتجهيز السيخ والملتوف وتدريب واستقطاب كوادر العنف لليوم الأسود. والتبادل الطلابي هو نشاط تشرف عليها إتحادات الطلاب، وله منظمات تساعد فيه وتُعين عليه، تخاطبها الإتحادات وليس إدارات الجامعات ، ونصيب الجامعات السودانية فيه أقل من نصيب الاحزاب الشمالية في إتفاقية نيفاشا.. ذلك النصيب الذي لم تحصل عليه. لا بيد عمرو: الجدير بالذكر هُنا هو أنّ معظم أعضاء لجنة دستور جامعة الإمام المهدي هم أعضاء في لجنة وضع دستور لجامعة الخرطوم.. بعد أن أثبت الدستور القديم فشله في تكوين الاتحاد لسنواتٍ متتالية.. ولو قبل طلاب اللإمام المهدي (عليه السلام) بهذا الدستور بعد الجُرح والتعديل الذي سيجرونه عليه وبعد الإستفتاء الذي سيُجرى لاحقاً.. فستكون هي الجامعة الرائدة بين كل جامعات السودان التي تبدأ في بناء الإتحاد على نهجٍ مختلف أكثر نضجاً.. وأكثر رسوخاً.. حتى جامعة الخرطوم ستبدأ بعد جامعة الإمام المهدي في تغيير دستور الطلاب. على كلِّ حال.. فرغت اللجنة من وضع مقترحاتها للدستور الجديد.. وأودعته بالجامعة في مقرها بولاية النيل الابيض.. في إنتظار الجهد الطلابي.. فالأمر الآن بيدهم لا بيد عمرو. أرجو أن أكون قد وفقت بغير إخلال في هذه العُجالة في تلخيص العمل الكبير الذي عكفت عليه تلك الخبرات خلال شهرين من العصف الذهني.