[email protected] من المتوقع أن تبدأ اليوم في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا جولات مفاوضات جديدة بين حكومتي السودان الشمالي والجنوبي.. لو (بعدت العوارض). جولة المفاوضات هذه ليست ترفاً ستمارسه اللجان المفوضة من البلدين.. فقرار مجلس الأمن رقم (2046) يقف خلف الدولتين يحمل العصا..لمن عصى.. ويمهلهما ثلاثة أشهر لوضع حد للعدائيات وتأمين الحدود.. وإلا سيكون مجلس الأمن هو من يتولى القضية وليس الآلية الأفريقية. ليس تشاؤماً إن قلنا أنّ هذه الجولة لن تصل الى برٍّ آمن.. فالمقدمات تشي بأنّ القضية الاساسية موضع التفاوض ما زالت في مكانها.. وهي قضية الفرقتين الشماليتين اللتين تتبعان الجيش الشعبي. القضية (الأمنية والعسكرية) الأساسية هي الفرقتان التاسعة والعاشرة.. فالفرقة التاسعة تتبع للواء عبد العزيز الحلو.. والفرقة العاشرة تتبع للفريق مالك عقار.. وكلاً من اللواء والفريق يتبعان للجيش الشعبي.. يحملان الرتبتين وفقاً للقوانين التي يعتمدها جيش الجنوب.. كما أنّ العناصر القتالية بالفرقتين لا يتبعان لمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) فقط.. بل تحوى عناصر قتالية من جنوب السودان.. بجانب أن تشوين ومرتبات الفرقتين تأتي من حكومة الجنوب.. وهذا ليس كلّ التعقيد الذي يحيط بهذه القضية. هذا من الناحية العسكرية.. أمّا من الناحية السياسية فإنّ قطاع الشمال هو جزء من الجسم السياسي للحركة الشعبية.. ويحمل مشروعها السياسي الذي كان ينادي به الراحل جون قرنق (مشروع السودان الجديد).. ورغم أنّ الإنفصال شهد فصلاً للقطاع من الحركة الشعبية (فك إرتباط).. إلا أنّه فصل اسمي.. إذ لا يزال الحال كما كان. وقد كان (عملياً) أن يُشير قرار مجلس الأمن بصورة واضحة لهذا الأمر في (الفقرة 3 من القرار) التي تدعو حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال) للتعاون الكامل مع فريق الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات على أساس الاتفاق الإطاري (إتفاق أديس ابابا) الخاص بالترتيبات السياسية والأمنية المتعلقة بولايتي النيل الأزرق). وجنوب كردفان. في إعتقادي أنّ حلّ المشكلة الأمنية لن يتم إلا من خلال الحل السياسي.. فيكون التفاوض السياسي (خاصة في هذه القضية) سابقاً للتفاوض الأمني والعسكري.. وهو ما ترفضه الخرطوم. هذا الرفض لن يجدي الحكومة في شيئ.. فالتفاوض مع قطاع الشمال هو المدخل الأفضل لتحريك الملف الراكد.. وليس (عملياً) أن ترفض الخرطوم التفاوض مع قطاع الشمال (كجسم سياسي).. ثمّ تطالب بحل أو تسريح لفصائله (العسكرية)!!!. حكومة جوبا لديها قضايا سياسية عالقة مع الخرطوم.. ومع ذلك فهي لا تستخدم عناصرها العسكرية (الجنوبية) لغلغلة الشمال.. بل تستخدم العناصر التابعة للفرقتين التاسعة والعاشرة في جُلّ المعارك.. ولهذا لن تفرِّط بسهولة في (قطاع الشمال) ما لم تُحل تلك القضايا.. وهذه معضلة أخرى تجعل جولة التفاوض صعبة التضاريس. جوبا لديها مصلحة (مؤقتة) في إبقاء قطاع الشمال.. والخرطوم لديها مصلحة (إستراتيجية) في ذهابه.. وهذا ما سيجعل التفاوض عسيراً.. ولكن الأمل كله في قرار مجلس الأمن.. الذي يقف خلف الدولتين بعصاه الغليظة.