[email protected] علم محمد ظاهر في آيات القران , كما تظهر مزاياه الاخري كقائد عسكري وكمنظم اجتماعي , وفي القيادة العسكرية يظهر علمه كما يظهر في اطوار التنظيم الاحتماعي , والقران مرآة صادقة لحياة محمد وصفاته وأصدق آياته تلك التي تصور وتتحدث عن علمه ومكانته بين قومه كمعلم لمن حوله ممن هم أقل علما ولمن حوله ممن هم اكثر علما من غيرهم ولا توجد اية في القران الا وهي تشي وتلمح وتبلغ عن ان محمدا عالم تمرس بالمعرفة وتقلب بمنعرجاتها قبل نزول القران وبعد نزوله , فما من عالم حذق علما او اتقن فهما الا وهو معلم مستطيع تفكيك الاجزاء ولم الاطراف وصياغة المتفرقات فاذا هي كل واحد متناسق مقبول للعقل والفهم قال تعالى ( لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . في هذه الاية يجذب الانتباه كلمة يعلمهم , فكيف يتم التعليم ؟ والسؤال هو نفسه عن ادوات وطرائق التعليم , فان كان طالب العلم والراغب فيه لا يعرف اسسه وابجدياته وجب تعريفه بها وتمرينه عليها وان كان عالما بالاصول عارفا بالقواعد وجب تعليمه الكتاب بمعانيه التي نزل بها وليس بغيرها مما يفهمه الناس حسب تصوراتهم ومعلوماتهم , ووجب تعليمه ما ليس هو في الكتاب الذي لم ينزل بحواش في النحو والفقه والتفسير ولم ينزل بمناهج في الخط والحروف والكتابة ولم ينزل بقواميس او فهارس او غيرها مما يساعد في الفهم والعرفة , فما من تعليم حتى ولو كان تعليما دينيا يقوم به رسول او اي شخص اخر الا ويحتاج الى ما هو خارج عن الدين وما هو مساعد في فهم الدين ونقله ان كان النقل هو المقصود من كتابة وقراءة . فلا يوجد تعليم يقوم بنفسه خاصة العلوم المرتكزة على اللغة والتراكيب والبيان لان المعاني لا تصل الا بما هو دونها من معرفة الفعل والفاعل والمفعول به مثلا بعلاماتها المعروفة بها التي تميزها عن غيرها وتعطيها فهما اصطلاحيا متفقا عليه في المكتوبات والمخطوطات , ومن صفات المعلم ان يعرف اكثر من علم لان تعليمه لن يكون متكاملا شاملا مفصلا يتميز بصفة التدرج من الاسهل الى الاصعب ومن الابسط الى الاكثر تعقيدا , فكان محمد يعلمهم الايات التي تنزل فرادي في اوانها ويعلمهم الكتاب الذي اجتمعت فيه بعض السور التي نزلت في اوقات سابقة ويعلمهم الحكمة التي تشمل انواعا كثيرة من المعارف و تتجاوز الكتاب وتشمله , ومن صفات المعرفة في القرون السابقة انها تتجمع وتندمج مع بعضها البعض من غير تفصيل كثير او تخصيص يعزلها ويصنع بينها حدودا وفواصل وكان الذين يشتغلون بالمعرفة موسوعيين يجمعون العلوم كلها في عمر واحد او في شخص واحد او في زمن واحد وكانوا اكثر ميلا ورغبة في التأمل المعرفي الذي يفجر الحقائق ويقرب الخفي وهو مرئي يمر به الناس ليل نهار دون ربطه بحقيقة اخرى قريبة منه او اخرى بعيدة عنه , ولقد من الله على المؤمنين ببعثه ذاك الرسول من انفسهم اي من لغتهم ومعارفهم وعصرهم وثقافتهم يشابههم في ما يسعون اليه ويضطربون فيه ويتقيدون به فيزكيهم لانه رسول ويعلمهم لانه معلم عرف الكتاب وحذق الحكمة . يقول تعالى " ام يقولون افتراه , قل ان افتريته فعلي اجرامي وانا برئ مما تجرمون " 35 هود – فلكي تصح هذه التهمة لابد لها من مقومات والا فكيف يتجرأون على مثل هذا القول , وكيف يحاجون التاريخ بما لا يعلمون وجوده وتوفره في من يناصبونه العداء ويضمرون له السوء ويودون لو ينقضوا معجزته الوحيدة بدعواهم انه اختلق القران وافتراه وكيف يدعون ذلك الافتراء بلا بينة تدل على ذلك وتؤدي اليه وتقوي حجتهم لو لم يكونوا على علم بمحمد وبحياته وبصفاته وبانه عالم قادر بعلمه المكتسب على الاختلاق والافتراء والتأليف , فلو كان اميا مثلما يزعم التاريخ و المفسرون هل كان بمقدور كفار مكة ان يتهموه بتلك التهمة الشنيعة الصارخة التي لا يأتيها او يقترب منها الا من كان قادرا بالعلم والدراسة والتأمل والفصاحة على اتيانها بمثل ذلك السحر وذلك الاعجاز الذي رأيناه في القران ولو كان اميا لا يعرف القراءة والكتابة ولا فرصة له للتأليف والافتراء اما كان الاجدر ان يجيبهم بما يعرفونه عنه ويتفقون معه فيه بانه امي لا حيلة له على تدبيج السور وانشاء الايات واختراع العبارات واختيار الالفاظ بدل ان يقول انه لو افتراه فسيجازيه الله بما قترفت يداه من جرم وذنب , وليس ذلك الرد الواضح الا رد من يعرف انه عالم باللغة وعالم بغيرها من معارف العصر وعالم بان اعداءه انما يطرقون منه ويمسكون عليه ما يمكن ان يقوي حجتهم وينجح خطتهم ومكيدتهم ويكشف منه ما يمكن ان يخفيه لو كان اميا لا حيلة بشئ مما يقوم به العلماء الدارسون والمفكرون المتفحصون , فالامي لا يستطيع تأليف القران ولا يصح عقلا اتهامه بهذه التهمة لانه لا يقدر عليه ولا يتمكن منه , ولا يتهم الامي الا بما يتهم به كل امي بأي شئ الا ان يفتري ايات القران ويخترع سوره بتلك الفصاحة والبلاغة المتناهيتين في السحر والاعجاز , ويمكن ان يتهم الامي بالهرطقة او العي والعجز في البيان او ركاكة الصنعة او الدجل او الخروج عن المنطق ولكن لا يتهم بما يتهم به العلماء والفصحاء بافتراء المعجزات التي لا يقدر عليها اكابر العلماء وجهابذة الدارسين . لو افتري محمد القران وحاشا ان يفتريه فلن يفعل ذلك وهو امي وانما في اعلى درجات العلم التي كان عليها طيلة حياته بشهادة القران وبشهادة معارضيه . في ختام هذا الجزء اشكر لكل من علق على المقالة الأولى والتي كانت بعنوان ( أمية الرسول (ص) بين الحقيقة والوهم ( الوحي ) ولقد واصلت الكتابة تحت هذا العنوان ولكن في ( الراكوبة ) ايضا يوجد منع من النشر كما اشكر من كتبوا الي في بريدي يكيلون الي السباب والشتائم فرددت عليهم بلا سب ولا شتم لأنهم ضيوفي وفي بيتي ولاحظت ان التعليقات كلها لم تخرج من المعنى الذي وصلت اليه واصر عليه مع اختلافات لا تخل بمعناه ولا تنفي مبناه ولو واتتني الفرصة فسأرد على كل التعليقات التي احتفظ بها ردا مفصلا لأنها تستحق الرد وأزعم انني وجدت في تعليقات المعلقين معان ومفاهيم لا وجود لها في الكتب والرسائل وكتب التفسير التي اطلعت عليها وارجو صادقا من الراكوبة ان ينفسح صدرها قليلا حتى تزيد معارفناونقتنص تلك الافكار الفريدة التي تعن للناس فجأة في ساعة غضب او جروح نفسية او في ساعات تجل فلهذا صنعت المواقع الاكترونية .