بروفيسور/ نبيل حامد حسن بشير [email protected] قسم المبيدات والسميات كلية العلوم الزراعية جامعة الجزيرة 15أغسطس 2010 بعد ما جاء في الحلقتين السابقتين من مقدمات، نقول أن العلم هو أساس الأنشطة الزراعية. والعلم يجب أن يكون هو أساس اتخاذ القرارات على كل المستويات لمن أراد النجاح والانجاز. وفوق كل ذى علم عليم. فمن أراد أن يتعامل مع الزراعة يجب أن لا يستخف بها ولابد له من الرجوع الى نتائج البحوث السودانية سواءا كانت نتيجة بحوث محطات هيئة البحوث الزراعية أو هيئة البحوث الحيوانية أو كليات الزراعة المنتشرة الآن تقريبا بكل الولايات واسست لخدمة تلك الولايات وتعج بالعلماء والمتخصصين من أبناء هذا الوطن والذين يحملونه داخل حدقات عيونهم. صرف عليهم الوطن والمواطن ملايين الدولارات فى التدريب الخارجى والداخلى، وفى تنفيذ برامجهم البحثية. كل محصول نباتي أو حيواني هو فى الأصل كائن حي له متطلبات للبقاء حيا وأخرى للنمو، وغيرها للتكاثر. فحتى نحصل من هذا المحصول على أعلى إنتاجية كما ونوعا لابد من أن نوفر له الظروف المثلى. كل كائن حي في منطقة معينة تتحكم فيه عوامل حية وأخرى غير حية. العوامل الحية أهمها الآفات بأنواعها، وغير الحية هي الحرارة والرطوبة وطول اليوم (نهار: ليل)، والأمطار والرياح ونسبة الأشعة فوق البنفسجية..الخ. أهم هذه العوامل بالطبع هو عامل (التغذية). يتحصل النبات على غذائه من التربة بعد أن تذوب في ماء الري وتنتقل من الجذور إلى بقية أجزاء النبات وتذهب إلى الأوراق (مطبخ النبات) وهنالك يتم إعداد الغذاء اللازم ويوزع عبر اللحاء إلى بقية أجزاء النبات حسب احتياجاته. هنا يجب نلفت النظر إلى أهمية إعداد التربة بحيث تسمح للجذور بالتغلغل داخلها واستغلال أكبر كمية ممكنة من المواد الغذائية في أعماق قد تصل الى30 سم داخل التربة. الري المنتظم، (طبقا للمقننات المائية) إلى تنتج من بحوث تقوم بها هيئة البحوث الزراعية والجامعات، توضح لنا الكمية المثلى التي يحتاجها كل محصول بكل منطقة من مناطق السودان الزراعية. ثم نكمل نقص المواد الغذائية نقوم بتوفير السماد بنوعيه اليوريا والسوبر فوسفات وأحيانا الأسمدة الورقية لتكملة النقص فى العناصر الكبرى والصغرى. ذكرنا كل ذلك لنوضح ما كان يحدث خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة من ناحية إعداد التربة كمثال. بالنظر إلى النمر المراد زراعتها سنجد أنها في أغلب الحالات غير مستوية وأسوأ المناطق عادة ما تكون أول بيت وآخر بيت مما يعرضهما إما للعطش أو الغرق. أما الحراثة نفسها فهي مأساة، أصفها بأنها خربشة للأرض بالمحاريث المتهالكة والجرارات الأكثر تهالكا، أما الجديدة منها فهى لا تفى بأغراض اعداد التربة للمحاصيل الحقلية. النتيجة أن الجذور لا تستطيع التعمق داخل التربة إلى أكثر من 5سم، مما يضطرها إلى الاتجاه إلى الجوانب على سطح السرابة. فبلا من تصبح وجذورا وتدية تصبح ثانوية فى شكل هو اقرب الى شكل الليفة. نذكرأنه قبل سنوات أنه عند إزالة القطن من الحواشات قبل بداية الموسم (حملات النظافة) كانت إدارة المشروع تعد كلابات لقلع نبات القطن الذى كانوا يجدون معاناة شديدة فى اقتلاعه. لكن حاليا تقوم الرياح بالواجب نظرا لضعف النمو وسطحية الجذور ليفية الشكل. ماذا نتوقع من مثل هذا النبات؟ هل يستطيع تحمل أكثر من أربعة لوزات قطن حتى الحصاد؟ كلنا رأينا كمية الأزهار التي ينتجها كل نبات التي قد تفوق 30 زهرة، يعقد منها حوالي 20 برعم، لكن هذه النباتات ضعيفة التغذية تستطيع المحافظة على 3-4 لوزات فقط فتسقط (تجهض) البقية وتعطينا نحن والآفات معا 3-4 لوزات. فان قمنا باستخدام المبيدات الحشرية حافظنا عليها وحصلنا على 3-4 قناطير. أما إن أهملنا عمليات المكافحة فحدث ولا حرج يا ناس النهضة والنفرة الزراعية. فالمبيدات (لا تزيد الإنتاجية)، بل هي (تحافظ) على ما أنتجه النبات المتهالك. فالنبات مثل المرأة. فكلما كانت صحة المرأة جيدة احتفظت بحملها ووضعت طفلا أو طفلة بصحة جيدة ويكون ثدييها ممتلئان باللبن، رغما عن ذلك نوفر لها تغذية خاصة أثناء فترة الحمل وبعد الولادة. أما المرأة الهزيلة فهي معرضة للإجهاض في أي وقت، وان وضعت فسيكون الجنين هزيلا ويحتاج كل من الأم والمولود عناية خاصة جدا غذائيا وطبيا. كل ما جاء أعلاه من معلومات نتجت من بحوث عالمية وسودانية ولا تحتاج إلى مغالطات من علماء أو مهندسين!! نحن نطالب بالحد الأدنى من مطلوبات الزراعة. فماذا سيحدث إن قمنا بتحسين عمليات الحراثة عن طريق توفير آليات مناسبة وتجويد العمل وإتقانه، وتوفير وسائقين مدربين و ذوى خبرة مع تواجد المفتشين والمرشدين بالغيط أثناء كل عمليات إعداد التربة مع ضرورة إتباع عمليات تسليم وتسلم مابين القائمين بعمليات الحراثة والمسؤول الزراعي. سيؤدى ذلك في تقديري إلى مضاعفة قدرة النبات على الحمل (8 لوزات/ نبات لا عن 4)، أي مضاعفة الإنتاجية. أما أن اهتممنا بعمليات الري والتسميد، فلن تقل الزيادة عن سابقتها، أي 12 لوزة / نبات، ولن تقل إنتاجيتنا عن 10 إلى 12 قنطار/ فدان. هذا ما يقوله العلم والحساب لمن أراد أن يزرع قطنا أو غيره. من أهم المكونات في نظم التحكم في الآفات والتوصيات الخاصة بالتعامل مع المحصول وتحقيق الإنتاجية العالية ذات الجودة المرتفعة كما ذكرنا سابقا (تربية النباتات وإكثارها). يقوم المربى المتخصص في علوم الوراثة بدراسة تفصيلية لكل الأصناف الموجودة في بيئته، ودراسة تلك الموجودة بالدول الأخرى بمحطات بحوثها وبنوك جيناتها (مورثاتها) ويقضى أغلب فترات عمره وأجملها في أن ينتج لنا أصنافا ذات مواصفات تناسب بيئتنا ومقاومة للآفات من حشرات وأمراض وحشائش..الخ، وقد يأخذ ذلك منه حوالي عشر سنوات لإنتاج صنف واحد يمكن إجازته. هذه البذور تسمى (بذور المربى). ترسل هذه البذور إلى محطات خاصة بإكثار البذور كما فصلنا في مقال سابق حتى تتوفر الكميات اللازمة للزراعة مع ضرورة المحافظة على خواص بذرة المربى. وضحنا أيضا الممارسات الخاطئة التي مورست خلال الأعوام السابقة مما أدى إلى تدهور الأصناف وضياع بذرة المربى، وضياع كل هذا المجهود والزمن والتكلفة العالية. كما لا ننسى أن أغلبية هؤلاء المربين قد أحيلوا إلى التقاعد بطريقة غير كريمة وهم ثروة تتسابق عليها الدول والمنظمات العالمية. حقيقة لم أسمع من قبل في أي دولة متقدمة أو متخلفة أنها أحالت باحث أو أستاذ جامعي إلى التقاعد، خاصة مربى النبات والحيوان. نرجو أن تتدارك الدولة هذا الأمر وإعادة استيعابهم وتكريمهم و(تطييب خاطرهم) وتشجيعهم على وضع برامج اسعافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتدريب الكوادر الشابة الموجودة حاليا، مع تأسيس برامج جديدة مستقبلية. نكرر مرة أخرى لابد من إعادة إدارة إكثار البذور ودعمها دعما حقيقيا حتى توفر لنا بذور لكل محاصيلنا الحقلية والبستانية. سؤال مشروع: أين ذهبت سلالات الدخن السودانية بعد انتشار تلك التي وردت إلينا من غرب أفريقيا؟ من يجد قندول واحد منها ، نرجو شاكرين أن يقوم بتسليمه إلى الأخ المربى الدكتور / عبد الآله بدوى محمد، كلية العلوم الزراعية. تساءل البعض عن ما هو الفرق بين الحرفة والمهنة؟ المهنة تتطلب وجود رخصة للممارسة، لكن الحرفة لا تحتاج لرخصة. الحصول على رخصة يتطلب تدريبا خاصا حتى يستطيع الشخص الحصول على الترخيص. لاعب الكرة المحترف لا يحتاج إلى رخصة، لكن المدرب لابد له من رخصة. السائق لابد له من رخصة، إذا هذه مهنة. النجارة حرفة و لا تحتاج إلى ترخيص!! الجامعات الأميركية تصنف الكليات إلى كليات مهنية وأخرى أكاديمية. المهنية هي الطب والبيطرة والقانون. من الواضح أن مهنة الزراعة في السودان في الأصل بدأت باحتراف دون ترخيص، لكن بعد قيام الكليات والمعاهد، وتعدد مجالات المهن الزراعية : أساتذة، باحثين، مفتشين، مرشدين..الخ كان من الضرورة وجود ترخيص للعمل بالزراعة حتى لا نهدر مقدرات الدولة. المجلس الزراعي له الدور الأساسي في هذا الأمر كما هو الحال في المجلس الطبي والمجلس الهندسي وغيرهما. هذا ما سنناقشه في الحلقات القادمة.