عبدالجليل على محمد عبدالفتاح [email protected] * أضحت (الراكوبة)أطلس سياسى لمواقف القوى السياسية وللمدارس الفكرية بمختلف اتجاهاتها وبنياتها الاجتماعية وأتفق الجميع أن الوطن يُعانى من حالة جزر متفاقمة ومتعددة الابعاد الامر الذى يُجسد مأزقاً تاريخياً يستلزم تجنيد كل القوى بمنظور قومى وجهد جماعى من أجل الخروج من المأزق .. لابد من النظر للبلد ومشاكله وقضاياه على أنه جزءُ من كُل وليس وحده منعزلة ولكى نُحدد موقعنا وخطواتنا وإيقاعنا بدقة علينا أن نتوصل الى جوهر القضايا المطروحة للحوار .. فالوطن يُعانى من حالة جزر متفاقمة كيف نخرج من ألمأزق؟ فنحن كشباب نفتقد لرؤية متجانسة لتغيير النظام لقد أشبع مثقفونا على اختلاف اتجاهاتهم كل هذه المواضيع وغيرها أشبعوها بحثاً ودراسة وتحيلاً فماذا كانت النتيجة؟ أننا مازلنا حيث نحن نقف فى نفس ألموقع..لا أريد أن أمضى فى اجترار الماضى هذى خطوط وعُدة نقاط نظام أتجاسر وأقترحها كقواعد للحوار ب(الراكوبة) فمن المعتاد أن نُجرى الحِوار فى ظل اتهامات لا أساس لها فى حالة الخِلاف فى الرأى وهذا شىء طبيعى يحتاج الى مداومة الحوار ومن المعتاد أن يجرى الحوار بطريقة (حديه) فطرف يعتقد فى رأيه الصواب الكامل ومن ثم ينظر الى رأى الآخر على أنه الخطأ بالكامل والسياسة لا تعرف الكمال لا تعرف أبداً اللون الأسود والأبيض انها تتعامل مع المزيج بين البياض والسواد فالغرض من الحوار لابد وأن يكون الوصول الى اتفاق أو وفاق حتى لو كانت وسيلة الصراع هى القتال وليس معنى الاتفاق تطابق ألآراء.. ففى غالب كتابات وردود (الراكوبة) يغلب عليها الاغراق فى الرجوع للتاريخ أو الاهتمام بالتحليل ومن ثم القفز فوق المشاكل فالحوار ينقصه ايجاد الحلول ومناقشتها حتى يدور الحوار على اختيار أفضلها ان سرد الاحداث وتحليلها سهل ولكن يبقى السؤال قائماً وما الحل؟ وماذا نفعل؟ كيف نواجه النظام؟ وإذا نظرنا لردود السادة الرواد وطبيعة الطرح سنلمس أنه فى غالبيته يتخطى التفاصيل ألمهمة.. * فياشباب الراكوبة لا خروج لنا من المأزق الذى نحن فيه إلا بتحديث (عقليتنا) السودانية فالعقل هو الغرفة الوحيدة فى البيت السودانى الذى لم نُفكر بتغيير طلاء جدرانها منذ هبط نظام(البشير) فى89 ولا قيمة لكتاباتنا قبل تحديث (عقلنا) فالعقلية السودانية متوقفه عن العمل حتى اشعار آخر كموبايل فرغت بطاريته فى وسط الصحراء وانقطعت الخِدمة عنه وم دام عقلنا متوقف عن التقاط الموجات السياسية للمعارضة والنظام .. فالأخير ينزف عقلياً لأنه لم يعد قادراً على رؤية الطريق ولا على تقدير المسافة بينه والمعارضة ونحن ككتاب ننزف عقلياً لأننا لا نقرأ إلا ما نكتبه (نحن)ولا نقتنع إلا بمنطقنا ولا نجد كلاماً أفصح من كلامنا..نحن مصابون بنرجسية سياسية من نوع خطير فكل الايديولوجيات تبدأ بنا وتنتهى بنا وكل الافكار سخيفة إلا افكارنا وكل أركان النظام فاسدة ومنحرفة إلا معارضتنا وكل قادة ورجال النظام مأجورين عُملاء وخونه ونحن وحدنا الافضل والأحسن هذه (الأنا) السياسية المتضخمة فينا تُغلق الباب نهائياً أمام قيام حياة سياسية ديمقراطية صحيحة بل هى تُغلق الباب أمام أىّ جدل فِكرى أو أىّ مداخلة سياسية ونقد موضوعى للسُلطة وللنظام الحاكم هذه النرجسية ياشباب الراكوبة جعلت العقل السودانى (ذا بُعد واحد) أىّ عقلاً مغلقاً ومصفحاً وعاجزاً عن قيام أىّ حوار مع ألآخرين ويوجعنى أن ألاحظ الكثير من التجاوز فى الخطاب واللغة اليس هذا درساً قاسياً ولكننا وأقولها بكل مرارة بدأنا نغتال بعضنا ونتآمر على أجمل ما فينا بتوزيع رقاع الاتهامات على كل الجبهات وللجميع وبلا ثمن فجيعة كبرى أن يحدث هذا فجيعة كبرى أن نطلب تأشيرة الوطنية..علينا أن نُغير منطقنا القديم برمته ونحل قضايانا الكبرى دون أن نجمع ونطرح ويكون لدينا المام تام بمبادىء (المحاسبة) فالبعض يطلب المستحيل قبل أن يطرح الممكن ولذلك ساءت علاقاتنا مع كل مكونات المجتمع السياسى لأننا نتكلم على (موجة) وغيرنا يتكلم على موجة أخرى ففى الراكوبة كشفنا كل أوراقنا المستورة وهددنا بعضنا البعض بنشر الغسيل القذر للعمل العام فإذا كُنا عاجزين عن الوفاء لبعضنا البعض فستصبح قضية (المعارضة) غامضة فى الذهن السودانى لأننا نحن معقدون ومتناقضون فى طرحنا فالقارئ السودانى لا يستوعب ابداً ما يطرحه البعض مِنا..فمن يترددون على الراكوبة يرجعون دون أن يعرفوا ما نريده بالضبط فبعضنا يكتب بلغة ويستعمل مفردات لا تليق بنا.. يجب اعادة صياغة الخطاب والعقل صياغة جديدة بإعادة تأهيله وتشغيله وإخراجه من حالة الاحباط والانكسار واللامبالاة كتبتُ مقال عن(غازى صلاح الدين) ومررت على التعليقات وكتابات البعض وكأنها قد سقطت فى حالة(كوما) وهذه حالة مرضية بلا شك لان العقل السودانى هو عقل سياسى بالدرجة الاولى ولكن التشويهات والتحريفات والنماذج السياسة الرديئة جعلته يتخلى عن طبيعته الاولى فالمناخ العام (موبؤ) وواقع تحت سيطرة نظام يتصنع الغباء ويتعمد البلادة ومن يُراقب سلوك الناس أيام قصة(انقلاب) رفاق البشير يُلاحظ الهبوط النفسانى المريع وصلت لنقطة القرف من كل شىء انها غيبوبة جماهيرية وهى دليل على أن الجماهير التى كانت تُشعل الارض وما عليها وتتفجر غضباً قد أطفأوا صوتها بخراطيم المياه وكرابيج القمع (الامنى) والتخويف حتى أمكن تدجينها وتقليم أظافرها وتحويلها للمعايش وأكل العيش لقد أفقدنا نظام (البشير) شهية المنطق وشهية الضحك وإذا كان النظام سعيد فرح بهذه الجماهير الخرساء الصماء العمياء فإننا نعتبر هذا الصمت المريب كارثة بكل ما تنطوى عليه الكارثة من معنى .. لابد من اعادة الحيوية والحرارة للشباب مهما قيل عن سطحيته وغوغائيته فالشباب هم المؤشر السليم والصحيح للمستقبل ان بقاء الشباب فى حالة خوف وشك واستلاب لا يخدم (المعارضة) وهذا يُعيدنا مرة أخرى للنقطة المركزية لمقالنا إلا وهى (الديمقراطية) فالعودة للديمقراطية واحترام كرامة الانسان واعتبار (المواطن) السودانى شريك أساسى فى ممارسة الحُكم بعد تغيير النظام الحالى .. ان المأزق الذى تمر به أمتنا السودانية ليس مأزقاً بسيطاً وسطحياً يمكن معالجته بالنوايا الطيبة انه مأزق وجودى بكل معنى الكلمة أىّ أن استمراره يُهدد وجودنا برمته .. قبل89 كان جسد الوطن فى ذروة عافيته وكان يفيض صحة وشباب وعنفوان وكانت لدينا مدخرات حيوية وثقة بالنفس ومخزون أخلاقى وقِيمى مع مواطن الجنوب ..ولكن هجمت علينا أسراب الجراد(الاسلاموى) مع فيروساته فمزقت الممزق وقسمت المقسم وانهار جهاز المناعة يوم غادر الجنوب جنوباً وعندها دخل (قمر) المليون ميل مربع مرحلة الخسوف وساد الظلام وتسنّمت السُلطة خفافيش الانفصال والتجزئة فحولت البلد لخرائب بجنوب كردفان ومن يومها صغر (أفق)أرباب النظام وصار الوطن كمزرعة يقطفون ثمارها وحدهم أو عقار مسجل فى الدوائر الرسمية باسم (البشير) وقصص الانقلابات فى هذه الايام لم يعد لها منطق ولا تفسير اننا لسنا من الغباء كى نستوعب مجريات الاحداث وخلاصة القول أن الخروج من المأزق يقتضينا أن نتخلى عن الفكر الغيبى أما الاعتماد على السحر واستخارة النجوم بتغيير النظام وفك المربوط وربط المفكوك فسوف يُبقينا مربوطين بحوافر النظام .. عبدالجليل على محمد عبدالفتاح .. ودمدنى السُنى .. الخميس 29 الجعلى البعدى يومو خنق .. * وللحديث بقيه ..