رأي رمزية تاجوج وعروبة السودانيين حسن محمد صالح درج الدكتور الصديق عمر الصديق مدير معهد العلامة عبد الله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم على ان يتحفنا بندوة ثقافية مرتين في الشهر بقاعة الصداقة وقد خصص إحدى هذه الندوات المتعاقبات ( لقصة تاجوج والمحلق بين الحقيقة والوهم ) والتي قدمها الدكتور عبد الله محمد أحمد فأحسن تقديمها وحلق بنا في بوادي البطانة وقبائل الحمران في جنوبكسلا وهي القبيلة التي تنتمي لها أو بالأحرى ينتمي لها كل من تاجوج والمحلق العاشقين السودانيين المعروفين بقصتهما الغرامية التي صارت قصة عالمية من قصص الغرام في التاريخ . و مما ذكره المحاضر أن تاجوج قد ولدت في عام 1921م وعاشت في العهد التركي وتميزت بجمال ساحر لا مثيل له حتى وسط الحمران الذين تميزوا بالجمال والحسن . وعاشت تاجوج حياة مثيرة بدأت بحبها للملحق ( وهو إبن خالها ) ثم طلاقها منه وزواجها من آخر ثم تعلق المحلق بها وجنونه وموته من شدة الوجد والحب ثم موت تاجوج نفسها والذي لم يكن موتا طبيعيا ولكنها ماتت مقتولة على يد رجل يرجح أنه من قبيلة الهدندوة ( بشرق السودان ) بعد أن رأى رجالا من قبيلته يتقاتلون بسببها ويكاد بعضهم يفني بعضا من اجل الظفر بتاجوج التي قتل القوم الرجال الذين كانوا في حماية قافلة قوامها عدد من النساء بينهم تاجوج . ولم يكن الأعداء وقتها يعلموا بوجودها أي تاجوج داخل أحد الهوادج في تلك القافلة المشؤومة . وقد إستمعت لكثير من المداخلات حول قصة تاجوج وحياتها وما قاله المحلق من شعر يتغزل فيه بتاجوج دليل على أن تاجوج هي إمراة حقيقية جميلة ومستحيلة وما ميزها أنها وجدت من يهتم بجمالها ويروج له مثلما يروج الناس اليوم لملكات الجمال في العالم كله ومشكلة تاجوج الوحيدة انها عاشت في مجتمع محافظ للغاية وهو مجتمع شرق السودان بصفة عامة وقبائل البجة التي لا تتحدث عن المرأة ولا يذكر الإبن إسم امه حتى بين تلاميذ المدارس وقد تأثر الحمران بالبجة إن لم تكن تاجوج نفسها تنتمي لقبيلة البني عامر بجدتها لأمها في بعض الروايات. فلا غرو إذا إندثرت قصة حياة تاجوج ولم يصلنا منها غير النذر اليسير ولا غرو كذلك إذا ظلت رمزية تاجوج كل هذه المدة مثالا حيا على جمال المراة في كل مكان بالإضافة إلى مأساة تاجوج الحقيقية هي جمالها المغري لكل الرجال حتى بعد ان تجاوز عمرها الأربعين عاما . وبالعودة إلى رمزية تاجوج عند السودانيين ( ماعدا الحمران ) الذين إنطبق عليم المثل الذي يقول زامر الحي لا يطرب مع نكران الذات وهي الحالة المعروفة فإن الرمزية في تاجوج دليل على عروبة السودان والسودانيين الذين لا يهمني كثيرا لونهم ولا سحنة البشرة عندهم ولكن الذي يهم هو الثقافة وطريقة الحياة والتعلق بالرمز وبالتاريخ مما يجيده العرب قديما وحديثا ويجيده السودانيون ( خاصة بعد انفصال جنوب السودان وإختصار إسم السودان على السودانيين ) فالعرب في قديم الزمان وفي جاهليتهم كانوا قد تميزوا بالجمال وكانت نساء العرب كلهن جمالاً وحسناً ولكنهم إتخذوا من عبلة رمزا لجمال المرأة العربية في جاهليتها وكان تعلق عنترة بن شداد ببنت عمه عبلة مرده إلى جمالها والمرأة الجميلة لا تصلح إلا لفارس في مقام عنترة بن شداد والذي لم يكن يرى من هو أحق بها منه لولا أن أمه كانت من الإماء . وكذا الحال بالنسبة لليلى العامرية التي تعلق بها قيس وحال قيس مع ليلى كانت كحال المحلق مع تاجوج حينما أنشد قيس يقول : تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة وكنا صغارا نرعى مع البهم ليتنا لم نكبر ولم تكبر البهم ورمزية المرأة أيضا مع بثينة وفارسها جميل بن معمر الذي هام بحب بثينة حتى لقب بإسم جميل بثينة . وليس بعيدا عن هذا تعلق السودانيين بالعروبة والنسب العربي لدرجة أن كل قبيلة سودانية لها جد من أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فالجعليون ينسبون انفسهم للعباس بن عبد المطلب وهناك من ينتسبون لبيت النبوة وذرية الحسين بن علي رضي الله عنه والعرب كذلك كانوا في قديم الزمان ينسبون أنفسهم لذي القرنين الذي يعتقد كثير من المؤرخين أنه هو الإسكندر الاكبروكانوا يلقبون ذي القرنين بالصعب ويعتقدون أنه احد ملوك حمير باليمن وهو من سلالة عربية وقال شاعر يقال له أعشى بني تغلبة : والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا بالحنو في جدت هناك مقيم وقال شاعر آخر يقال له ربيع إبن ضبيع : والصعب ذو القرنين عمر ملكه ألعين أمسى بعد ذاك رحيما . وقال تبع الحميري : قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ملكا تدين له الملوك وتحشد من بعده بلقيس كانت عمتي ملكتهم حتى أتاها الهدهد وبالنظر الى الشطر الأخير وذكر بلقيس ملكة سبأ المعروفة التي تزوجت من نبي الله سليمان إبن داؤود عليه السلام نجد دليلا على ما ذهبنا إليه من هذه الصفة التي ميزت العرب بالإنتساب الى الأمم السابقة وكذا السودانيون يحبون أن يمتوا بصلات إلى العرب والعروبة وهم كذلك إلا أن إختصارهم على صحابة الرسول الكريم وبيت النبوة فيه إنتقاء لأرفع نسب فالرسول كما هو معلوم من بني عدنان فأين جهينة مثلا وهي شطر وافر من العرب أليس لها نسب في السودان واين القحطانيين من العرب بل حتى في بني هاشم أين ذرية أبوجهل وهو عم الرسول الكريم وإسمه عمرو إبن هشام وإبنه عكرمه بن أبي جهل من كبار الصحابة رضوان الله عليهم . و كما هو معلوم فإن شجرة النسب والإشتغال بالنسب في السودان قد ظهر بوضوح في السلطنة الزرقاء ومملكة الفونج وكان السودانيون يأتون بالشجرة ( شجرة النسب ) من مصر وقد برع المصريون في هذا الجانب براعة شديدة وظلت شجرة النسب من أهم مقتنيات الأسرة السودانية ويتم الاحتفاظ بها لدى أهم واكبر شخص في العائلة فإذا تحدث معك احد السودانيين عن نسبه العربي وعن شرفه يقول لك هذا الكلام موجود في شجرة النسب عند جدي او عمي فلان وقيل ان ملك الفونج وأقدمهم عمارة دنقس وهم ينحدرون من منطقة أعالي النيل ويرجح أن أصولهم نوبية ولكنهم كانوا ينتسبون لبني أمية والصحابي الجليل معاوية بن ابي سفيان وكانت الرسائل التي يرسلونها للغزاة الاتراك القادمين من مصر تتحدث عن هذا النسب ويقولون لابراهيم باشا بن محمد علي لا يغرنك انتصارك على الجعليين والشايقية . واذكر ان احد الاصدقاء من أهلنا الدناقلة كان قد إضطجع في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة واردنا ان نشاغله فرد علينا ان الحبيب هذا ود بتنا نحن بني النجار .. الصحافة