ما احتفت بي مدينة ولا احتفيت بمدينة مثل الفاشر,غراماً تعرفه قبل أن تتكشف لك التضاريس الساحرة لمكان الفاشر وزمانها , هنا مدينة متلفعة بالغموض, كفتاة غامضة قليلة الكلام , عذبة في غنجها حلوة في الدلال , تنفتح لها أبواب خيالك مشرعة فإذا بك صب مدله في الغرام. والفاشر ابنة عز قديم وشرف كريم , اباؤها ملوك قال عنهم ابن عمر التونسي بان هيبتهم لا مثيل لها بين اقرانهم من الملوك, و بيوت العز تغري ربائبها بالكرم ومحاسن الأخلاق وتزين لهم الترف وملاينة الحياة, فتظهر فيهم ابداً سيما النبلاء وإن جارت عليهم بعض غوائل الدهر واحاطت بهم بعض نوائبه فتجدهم حينئذ, وبما عهدوه من مسايسة الأمور, لا ينحطون إلى مجاهل لا يعرفونها وأخلاق لا يألفونها, وهكذا تصورت لي الفاشر, منذ لحظة المصافحة الأولى, ومازالت أسرارها حية متوقدة, عصية على الفتح والكشف. والفاشر محمية دارفور وجوهرتها الثمينة, تحفها الجبال كحراس أشداء أقامهم الزمان على ابوابها فهم أبداً على أهبة, وكأنهم قد فهموا بانهم إذا ما زالت الفاشر زالوا, وحفت بها جداول المياه رقراقة صافية أنبتت على ضفافها الهجليج , فتراه جزلاً فرحاً كلما داعبته النسمات, وأقام بقلبها قصره فريد الزمان و درة الملوك والأعيان, خادم الحرمين الشريفين, السلطان علي دينار, يبدو لك شامخاً وشارفاً من ربوته على أحياء الفاشر وحواريها يرقبها بسلطته وتتبعه بعهد الملك والسلطان. فلا عجب إذاً أن اهل هذه المدينة قد نالهم من صفاتها, وما ورثته من شيم الملوك, حظاً عظيماً, يقولون لك: أنت فلان؟ ما شاء الله, لهم حضور و احترام وتهذيب, وكأنهم قد تعهدهم مربو الملوك بالرعاية والأدب, يخفضون أصواتهم إذا ما تحدثوا ويتبسمون إذا ما صمتوا, لهم بشاشة في وجوههم ,فهم أبداً في إشراق. الفاشر, ما شاء الله م.هشام بشير محمد صالح, الفاشر [email protected]