لقد كنت حريص على متابعة رسائل الدكتور ابراهيم منعم منصورالموجهة للامام الصادق المهدي رئيس حزب الامة وإمام الأنصار، و التي نشرت في العديد من الصحفة الالكترونية في شكل خطابات مفتوحة أو نصائح على الهواء للفت إنتباه الامام لما يدور في أطراف السودان وحثه على الاهتمام به وبعيون فاحصة، الرسائل في شكلها الرصين وطرحها القويم تليق بمقامه، مما جعل الامام يعلق عليها في فترة وجيزة وذلك لأثر الطرح والخطاب في نفوس كل المطلعين عليه وأولهم المعني به. وكذلك تابعت تعليق الامام الصادق المهدي "بعنوان خطاب جوابي للامام الصادق المهدي" بشكل دقيق على خطاب د. ابراهيم منعم منصور الذي وصفه ب (الظريف نهجاً، البليغ أسلوباً، الثقيل وزناً)، ولكن من خلال سرد وتبرير الامام لاحظت هذه الكبوة التي قالها في متن الفقرة الرابعة ( وقلنا إن العبارات التي صيغ بها بروتوكولا جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، هشة للغاية، ومع هذه الهشاشة أهمل أمر المشورة الشعبية، ومصير الفرقة (9)، والفرقة (10) على طوال الفترة الانتقالية، ومع هذا الموقف الهش زاد الأمر تعقيداً بانفصال الجنوب، وصار الموقف مأسويا؛ فدولة الجنوب تعتبر أن لها التزاماً بموجب البروتوكولين، والدولة السودانية تعتبر أن الجنوب بعد انفصاله صار دولة أجنبية لا يصح لها أن تتدخل في شئون السودان الداخلية. وكنا نرى ضرورة حسم أمر البروتوكولين قبل استفتاء الجنوب، ولكن هذا لم يحدث، واندفع طرفا اتفاقية السلام في إنتخابات كنا نرى أنها ستقود لحرب لأن شعاري الطرفين هما:الأول"النجمة أو الهجمة"، والثاني "هارون أو القيامة تقوم".) إنتهى كلامه. بروتوكول المنطقتين وبروتوكول الترتيبات الامنية كانا واضحين في التعامل مع قضية مكون الجيش الشعبي لتحرير السودان في القوات المشتركة وخاصة ابناء المنطقتين إذ ظلت هذه القوات جزء من القوات المشتركة المعنية بحفظ الامن والاستقرار في المنطقتين طلية الفترة الانتقالية، وكذلك أحيطك علما ان الحركة الشعبية لتحرير السودان قامت بسحب جيشها الي المنطقة المتفق عليها وهي جنوب خط 1/1 /1956 في جبال النوبة والنيل الازرق على حد سواء. بل ان البروتوكول حدد للقوات المسلحة السودانية ان تخفض قواتها في المنطقتين الي الحالة التي كانت عليها قبل اندلاع الحرب فقال في صفحة (106) النسخة العربية تحت مناطق التجمع في جبال النوبة " بالرغم من القسم الفرعي 10- 1 من البروتوكول حول النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق والقسم الفرعي 18- 6 من هذه الاتفاقية وباعتبار جزء من اتفاقية وقف اطلاق النار الدائم والانتقال من الحرب الي السلم، وافق الطرفان على ان القوات المسلحة السودانية تخفض المذيد من نشر قواتها في جبال النوبة الي مستوي زمن السلم وعلى الطرفين ان يقوما بأنشاء مناطق تجميع للوحدات المشتركة المدمجة في نطاق جبال النوبة". ولم يقتصر البروتوكول في الحديث عن الجيشين فقط بل تحدث عن المليشيات التي تتبع للطرفين حيث قال بصريح العبارة في الفقرة 11 صفة (85) تحت المجموعات المسلحة الاخرى من 1 الي 13 عن الغاء ودمج المجموعات المسلحة الاخرى، وذكر البروتوكول أيضا في أحدى فقراته أن تظل هذه القوات موجودة في المنطقتين حتي حسم مسالة المشورة الشعبية لشعبي المنطقتين. ولكن الغريب في الأمر أن برز لنا قادة المؤتمر الوطني بموعد الخامس من يونيو لنزع سلاح الجيش االشعبي أو طردهم من حدود 1/1 /1956 فقاموا بأغلاق كل الطرق المؤدية الي المناطق التي كانت تسيطر عليها الحركة الشعبية أبان فترة الحرب الاولي ومنع تحرك العربات والمؤن الغذائية اليها، ومخاطبة قادة الجيش الشعبي في المنطقتين عن مدي جاهزيتهم لعملية تسليم الاسلحة اليهم، ولو كنت متابع لقد وافق المجلس الوطني للجيش السوداني بالقيام بهذه الإجرءات. وفي مسألة حسم أمر المشاورة الشعبية قبل الإستفتاء فهذا ليس بجديد ففي وسائل تنفيذ بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق الفقرة (ب – 1 ) قال (إخضاع الإتفاقية الشاملة لارادة شعب المنطقتين يكون في السنة الرابعة من توقيع الاتفاقية ينفذه الجهازان التشريعيان المنتخبان في الولاية ... الخ صفحة (181). نجد إن هذه المشاورة الشعبية تأخرت في المنطقتين لأسباب تتعلق بالإشكليات القومية التي صاحبت تنفيذ الإتفاقية بين الشريكين في الخرطوم وأنعكس ذلك على المنطقتين كان أولها تأخر عملية إجراء الإحصاء السكاني في المواعيد المحددة في الفترة الانتقالية والمجابدات التي صاحبت العملية متمثلة في شكلية إقالة الأستاذ المهني البروفيسرعوض حاج على مدير الجهاز المركزي للإحصاء وتعين كادر الأمن في الموتمر الوطني عبدالباقي الجيلاني ليقوم بنتفيذ أدوار مرسومة خارج الحدود المهنية، وأيضا الخلاف الذي تم في مسألة الاستمارة الشهيرة وما إذا كانو يضّمنون سؤالي الدين والهوية أم لا. وبالتالي تأخرت عملية تشكيل المفوضية القومية للإنتخابات لتقوم برسم الدوائر الجغرافية والعملية الانتخابية في السنة الرابعة للفترة الانتقالية ليتم إجراء المشاورة الشعبية في مواعيدها المحددة. بالإضافة الي ذلك حظيت جنوب كردفان بخصوصية في مسالة إشكاليات الإحصاء السكاني وهي عملية التأجيل المبررة من قبل الحركة الشعبية في الولاية للعملية الإحصائية بتلكم الطريقة الغير صحيحة، فذاد ذلك من تأجيل الانتخابات لتقام في عام 2011 . ولكن الشئ الذي ظل يأرقنا هو إنتفاء كل الموانع من قيام المشاورة الشعبية في النيل الازرق ولكن لم تقام رغم ذلك، مما يؤكد إصرار الموتمر الوطني على التسويف وتشتيت الاهتمام بقضية المنطقتين وأتفق معك في مسالة إهمال أمر المشاورة الشعبية ولكن من من جاء هذه الاهمال؟ وهل يمكن لطرف أن ينفذها لوحده؟. أما المسألة التي قلتها والتي جعلتني أكتب هذا المقال هو عجز الفقرة الرابعة من متن مقالك " وأندفع طرفا إتفاقية السلام في إنتخابات كنا نرى أنها ستقود لحرب لأن شعاري الطرفين هما:الأول"النجمة أو الهجمة"، والثاني "هارون أو القيامة تقوم" يؤسفني أن أقول إن كلامك هذا غير صحيح أيها الإمام ومأخوذ من مصادر غير رسمية ، فالحركة الشعبية في جنوب كردفان والتي كنت سكرتيرا للجنة حملتها الإنتخابية، تلزمني الضرورة أن أقول لك إننا أقمنا أكثر من 175 مناسبة سياسية جماهيرية تحدث فيها أغلب قيادات الحركة الشعبية بمن فيهم مرشح منصب الوالي الفريق عبدالعزيز الحلو وممثلين من الأحزاب السياسية من ضمنهم حزب الامة القومي ونفذنا أكثر من 96 ورشة عمل في كل دوائر الولاية ، ومئات الإجتماعات، ولصقنا الالاف البوسترات والملصقات الانتخابية بغرض الدعاية والتعبئة والتعليم، ونشرت مجريات الحملة في اغلب وسائل الاعلام المحلية والعالمية كان شعار حملتنا هو " المشورة الشعبية طريقنا للسودان الجديد " والنداء الذي أطلقناه كان نداءا للأمل والتغيير وقلنا مرارا إن حملتنا من أجل السلام والطعام. لم نقل النجمة أو الهجمة في أي مناسبة من مناسباتنا وبالحقيقة كان يردد هذه الكلام ضعاف القوم ولا أحسبك منهم فارجوا أيها الإمام أخذ الأقوال من مصادرها الصحيحة. وأما شأن " أن تقود الإنتخابات إلي حرب" فأعتقد هذه المسألة إستعد لها المؤتمر الوطني ورددها رئيسهم في الحملة نفسها إذ قال في أبريل 2011 أثناء تدشينه لحملة مرشح الموتمر الوطني لمنصب الوالي في مدينة المجلد قال في كلمة بثها تلفزيون أم درمان وكل الصحف قال ( سنفوز في هذه الولاية بصندوق الإنتخابات أو صندوق الزخيرة وسوف نستبدل الجلاليب ونلبس الكاكي وسوف نطاردهم جبل جبل كركور كركور) أيها الإمام ماذا تعني لك هذه الكلمات؟ وهل يمكنك أن تساوي الحكم بأن الطرفين مسئولين من أشعال الحرب في الولاية !!. بعد إطلاق هذه التصريحات لم يجلس الموتمر الوطني على الرصيف بل عمل علي ترجمة أقواله بأفعال فزاد عدد قواته في الولاية وألياتهم الحربية إستعدادا لخوض حربا متوقعة. تحضرني في هذه المناسبة أن أقول لك إن الفريق الحلو سأل في أخر جلسة لمجلس حكماء ولاية جنوب كردفان في ابريل 2011 قائلا ( الحشد العسكري الذي نشهد هذه الأيام في الولاية هل نحن نبني عملية سلام حقيقة أم نستعد لحرب) فحول محافظ تلودي الأسبق اللواء شرطة (متقاعد) النور كومي السوأل إلي أحمد هارون ليجيب على الحضور فتعلل هارون قائلا إنه ليس ضدكم بل تأمينا للبترول والحدود مع الدولة الجديدة، ولكننا وجدناها بعد ثلاثة أشهر تماما ضد صدورنا. ففي الختام يجب أن لا تخلط بين المعايير في القياس بين الأشياء وأرجوا أن لا تبني بما كتبته موقفا وبرنامجا للتعامل به في تحليل أبعاد الحرب في المنطقتين وخاصة جنوب كردفان، فأعلم أننا هجمنا في دارنا وشرد أهلنا وأنتهكت حرماتنا وما نفعله حتى الأن يعتبر دفاعا عن أنفسنا من أناس ظالمين، وأعلم أخيرا إن النجمة أو الهجمة لم تكن شعارا لنا أبدا. مبارك عبدالرحمن أردول [email protected]