** بالعزوزاب، قبل سبع سنوات تقريباً، بعد أن مات والدها بداء القلب، لم تجد العزيزة (أ) حلاً لمجابهة تكاليف دراستها ودراسة شقيقها ورهق الحياة غير أن تساعد والدتها في مهنتها المرهقة..قبيل المغرب بسويعات، تقف المركبة العامة بمحطة الدباسين بالعزوزاب، فتترجل منها العزيزة (أ)، ولاتقصد منزلها كما تفعل زميلاتها، بل تقصد نادياً تجلس أمامها والدتها لتبيع الشاي والقهوة للمارة والسيارة، وتبقى معها لحين موعد صلاة العشاء، ثم ترافقها إلى دارهما العامرة بالكفاح والصبر الجميل..تخرجت العزيزة (أ) في جامعة السودان وإلتحقت باحدى شركات القطاع الخاص وإستقرت مهنياً وإجتماعيا بفضل الله..ولاتزال في خاطرها طرائف رحلة البحث عن العمل، ومنها ( تذكر يا الطاهر لمن قلت لي أكتبي في السي في : ست شاي، خبرة 3 سنوات ؟)، ونضحك وتضحك والدتها وزوجها وشقيقها طبيب الإمتياز..!! ** وفي الخاطر والواقع - بل في حياة الناس جميعاً، وفي كل شوارع المدائن وأزقة الحوارى - روائع تحكى عن إمرأة عملت في الهجير والبرد، وأمام المارة والسيارة، لكى لاتُطعم أو تُعلم أنجالها بثديها..ولكن سوء الظن لم يعد يعكس سوء الفعل فحسب، بل سوء الرأي أيضاً..فلنقرأ ما يلي نصاً، الأمين العام لهيئة علماء السودان، لوكالة سونا للأنباء : (يجب منع إنشاء المقاهي العشوائية على قارعة الطرق العامة، وعلى شارع النيل تحديداً، فالمقاهي العشوائية بقعة سوداء في وجه المدن الحضارية، والمقاهي العشوائية أوكار للرذيلة وتجارة المخدرات والموبقات الأخرى)، هكذا نص رأي- أو فتوى - الأمين العام لهيئة علماء السودان، والمقاهي العشوائية الوارد ذكرها في نص الرأي أو الفتوى هي (ستات الشاي) ..!! ** حسناً، فليكن منع المقاهي العشوائية - والمسماة بالبقعة السوداء في نص ذاك الرأي أو الفتوى - حلاً جذرياً لعودة الحضارة والبياض والبهاء إلى مدائن البلد وعاصمتها، فليكن هذا المنع حلاً ..فماذا عنهن؟..أي ماذا عن حياة اللائي خرجن إلى الطرقات - بشايهن وقهوتهن - بحثاً عن الكسب الحلال، فمنعتهت السلطات عن الكسب بأمر أو تأثير رأي وفتوى الأمين العام لهيئة علماء السودان؟..هل يمتن - وتموت أسرهن - جوعاً ومرضاً وتشرداً؟، أم يجب مكافحتهن كما الجراد ؟، أم عليهن إستبدال مهنة بيع الشاي والقهوة بمهنة بيع الشرف؟..ولو كان البديل للمنع مرفقاً مع رأي أو فتوى المنع، لما سألت..فلندع كل الحقوق المهضومة، فالأمين العام للهيئة يعلم أن وراء كل إمرأة تجلس على قارعة الطريق أروح لها (حق الحياة).. فلماذا لا يطرح بديلا لبيع الشاي والقهوة، بحيث يحفظ هذا البديل لستات الشاي وأسرهن (حق الحياة فقط لاغير) ..؟؟ ** البقعة السوداء في جبين الحياة هي فساد الولاة و ظلمهم للرعية، وكذلك عجز العلماء والشيوخ عن الجهر بالحق..أما البقعة السوداء في هذه القضية ليست هي مشهد إمرأة تجلس وتبيع الشاي على قارعة الطريق، بل هي عدم الإحساس بالأسباب التي أخرجتها من دارها إلى قارعة الطريق..ثم البقعة السوداء لحد إظلام الدنيا في ساعة شمسها تكون في كبد السماء، هي غض الطرف عن علاج الأسباب التي تخرج النساء من بيوتهن إلى قارعة الطريق..نعم، فالبقعة السوداء - في هذه القضية - ليست محض مظهر سوداوي في وجه المدن الحضارية، أو كما يتراءى للأمين العام لهيئة علماء السودان، بل هي جوهر حالك السواد في عقول ونفوس الجميع، ولاة كانوا أو مجتمعاً و شيوخاً..!! ** وهي دعوة للأمين العام لعلماء السودان وشيوخ هيئته، لنرافقهم - بالقلم والكاميرا - إلى حيث المسماة بالمقاهي العشوائية والملقبة بالبقعة السوداء، ليشاهدوا إمرأة تبيع وبجوارها رضيع يلتحف ثوباً ويفترش الأرض لحين تكسب أمه (قوت يومهما)..وبعد ذلك، فليحكموا بالرأي أو بالفتوى، إن كانت البقعة السوداء - في هذا المشهد - هي الأم والرضيع وكانون الشاي أم هي القلوب التي لاتتأثر بالمواجع والعقول التي لا تتقن الحلول ..؟؟ إليكم ...........الطاهر ساتي [email protected]