ذهلت كغيري من المشاهدين وأنا استمع للفنان النور الجيلاني وهو يغني في افتتاحية حفل في مسرح قاعة اسبارك ستي المشهورة والذي استهله بأغنية في عز الليل ،، كلمات الأستاذ والشاعر الرقيق التجاني حاج موسى والتي عرفناها منذ حقبة زمنية بعيدة أي منذ ثمانينات القرن الماضي بصوت الفنان الأستاذ عبد الكريم الكابلي ورسخت في أذهاننا وأعماقنا المرهفة كمستمعين ومشاهدين ومتابعين لمسيرة الأغنية السودانية الأصيلة والجميلة والخالدة بمعطياتها المعروفة من كلمات ولحن وأداء وحركات مد وجزر وغيرها من معان ،،،، و الغريب في الأمر أن الفنان النور الجيلاني معروف بأسلوبه واستايله الخاص في الغناء والذي يميزه كغيره من المغنين في بلادي وحتى الكلمات التي يختارها تناسب أداءه وحركاته على خشبة المسرح وصوته القوي والعالي جدا و لكنه أصر على أن يضع لحن جديد لهذه الأغنية ويلبسها ثوبا ليس لها ولا يليق عليها وذلك كان بموافقة شاعرها وفي اعتقادي لم يوفق النور الجيلاني في هذا اللحن وحتى الأداء لهذه الأغنية المعتقة أصلاً بألق لم يعيده الزمن مرة أخرى ولم يبارح مخيلة الجمهور المثقف والواعي والمدرك لقيمة الفن الراقي والسمع الجيد والطرب الأصيل ،،،، كان زمان للفن قيمة ومعنى ورسالة سامية ذات أبعاد ومفاهيم لذا ظل خالداً عبر الأزمنة والسنين تتداوله الأجيال وبنفس الطعم والمذاق وجمال المعنى وحلاوة الأداء وصدق الرسالة ، والمؤسف يصبح اليوم الفن لحظة هرج ومرج وصخب إيقاعات موسيقية على المسرح ورقص وينتهي لحظتها ، ولم يظل عالق بأذن المستمع لكي يعيده مرة ثانية ويتكئ على ذاك النغم الشجي وينداح شجنا من الأعماق ،،،، هذا ما قادني لكتابة هذه السطور وما لاحظته من تغير كامل لملامح أغنية في عز الليل والتي لم تبارح دواخلنا تلك الأيام الخوالي ونحن نسمعها عبر أثير أم درمان وفي هدوء الليل الريفي الجميل والنجوم تلألأ في كبد السماء الصافي والقمر لم يظهر بعد لأنه دخل في خريف العمر وصوت الضفادع وسط برك المياه يشنف أذاننا والنسمة تهب علينا باردة لعبورها هذه المستنقعات المترعة بمياه الخريف وينساب من بعيد صوت أستاذنا الكابلي في عز الليل ساعة النسمة ترتاح على هدب الدغش وتنوم أنا مساهر إلي أن يدخل في تفاصيلها الجميلة ويناجي الأفلاك في زهو وعنفوان عاشق موله وموسيقى حالمة و ننصت نحن ليثري هذا النغم في الحنايا ومسارب الروح ويروي ظمأ الغرام والعشق الذي كنا نعيشه في تلك الليالي ويضئ لنا ظلام العتمة وهنا نتذوق طعم الهناء وننسي ظلم الحبيب وهجره ونعيش لحظات من الدهشة مع كابلي لو كان الزمن نساك أنا ما نسيت أو في يوم الزمن قساك أنا ما قسيت وفي عز الليل يا هاجر أنا مسافر،،،،، ونلملم بقايا قوانا قبل ما الليل يقسم تلتو الأخير ونحضن الوسادة التي نحكي لها كل أسرارنا ونمطرها بالدموع الدافئة ، في اعتقادي لم ينجح الجيلاني بل غير ملامح في عز الليل وباعتراف شاعرها نفسه عندما يريد أن يدندن بها ويغنيها ، يغنيها بلحن أستاذنا عبد الكريم الكابلي وهذا اعتراف يشكر عليه شاعرنا الرقيق التجاني حاج موسى وأمنياتنا بالشفاء العاجل لأستاذنا الكابلي وهو الذي أهدا كلماته وألحانه لعدد من مبدعين كبار أمثال كمال ترباس وأبو عركي البخيت وغيرهم نأمل أن يعود لوطنه وجمهوره متعافي وهو الموسوعة الثرة بالتراث والأدب والفهم العميق وفارس امتطى صهوة جياد الفن الأصيل ،،،،،،،،،، فتحي أبودبارة المجمعة السعودية [email protected]