أسعد دائماً بالأخبار المبهجة التي يكون مسرحها التنافس الشريف و يلمع فيها أو يتفوق أحد المبدعين المتميزين في مجالٍ ما من بني جلدتي ، أو تلك النجاحات التي يصنعها فتية السودان بين رصفائهم بشكل عام و لجامعة الخرطوم في هذا المجال خصوصية و مكانة بعيدة بثنايا الفؤاد حيث الانتماء الأبدي و التعصب المحبب ، فالفخر بالجامعة ليس تعصباً، بل انحياز إلى رمز من رموز الوطن، ومنارة من منارات العلم . المشاركات الدائمة في المنافسات و الملتقيات و المحافل الدولية تكسب المشاركين بها تجاربَ عملية متنوعة و تخلق بداخلهم نوعا من التحدي و الغيرة و الاجتهاد ، كما تمكنهم من الاطلاع و التعرف عن قرب على منجزات و ابداعات الآخرين في كل المجالات . و قد حملت الأخبار السعيدة هذا الأسبوع نبأ فوز جامعة الخرطوم بكأس بطولة المناظرات الدولية للغة العربية ؛ و هي البطولة التي نظمها مركز مناظرات قطر في الفترة من 21 - 24 ابريل الجاري و شارك فيها 43 فريقاً من الجامعات العربية و غيرها من الجامعات الأخرى ؛ و الفوز بالطبع ليس غريبا على الجامعة لأنها فازت قبل ذلك بالجائزة الثانية لنفس المسابقة في العام قبل الماضي . الملاحَظ ، أن المنافسات كانت في مجال اللغة العربية و هي من أقسام كلية الآداب و كان من المتوقع بروز طلابها في مثل هذا التنافس إلا أن ممثلي الجامعة في المناظرات كانوا من كليات الهندسة و الطب ، و هذه الملاحظة تقودني الى زمان مضى ، و تذكرني بمنافسات مشابهة كنا قد خضناها بالجامعة للمشاركة في ( الملتقى الادبي الأول لشباب الجامعات العربية بجامعة الامارات الذي أقيم بمدينة العين في العام 2005 ) فبعد فرز المتنافسين للفوز في المسابقة الأدبية لتمثيل جامعة الخرطوم في المحفل الأدبي ، تفاجأ الجميع لأن الفائزَيْن كانا طالبين ينتميان لكلية الدراسات الاقتصادية و الاجتماعية و هما شخصي و الأخ الصديق الكاتب علي صالح طمبل ، و بحمد الله شارك الوفد حينها و مثَّل جامعة الخرطوم ، و السودان ، و عاد محملاً بالجائزة الثانية . أتاح لنا الملتقى الأدبي فرصة الإلتقاء بأسماء كبيرة و لامعة في سماء الأدب العربي كالشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم و الشاعر السعودي عبد الله العثيمين و الناقدة الإماراتية فاطمة البريكي و غيرهم من الأسماء الأخرى ، كما أن بعض الطلاب المشاركين الذين التقينا بهم و عرفناهم من الدول العربية برزوا بعد ذلك و أصبحوا نجوماً كالشاعر اليمني عبد العزيز الزراعي الذي توجه برنامج أمير الشعراء المعروف أميراً للشعر في العام 2011 م . الشاهد هنا أن الابداع قد لايرتبط بمجال الدراسة في بعض الأحيان ، و قد لا يتطلبها ، خاصة إذا كان المجال يتعلق بالتنافس الابداعي أو الأدبي لأنه موهبة قبل كل شيء ، و ليس معنى ذلك أن يركن المبدع للهواية و الموهبة فقط و انما يجب عليه أن يطوِّر أدواته بشكلٍ دائم للتفوق و التميز في مجاله . و ها هو الآن وفد جامعة الخرطوم المكون من طلاب الهندسة و الطب ينجح فيما فشل فيه الآخرون ربما ، و يأتي للجامعة متأبطاً كاس بطولة مناظرات اللغة العربية الدولية للغة العربية من بين أكثر من أربعين جامعة متنافسة ؛ يحدث ذلك في ظل تراجع مستوى و تصنيف الجامعات العربية مقابل نظيراتهن من الجامعات الغربية و تراجع مستويات اللغة العربية أيضاً . هي جامعة الخرطوم .. الجميلة .. المستحيلة .. التي ما زالت في زماننا البائس الأليم هذا تعطي للشعب معنى الانتصار .. و تهديه نبضات الفرح و البهجة .!!! نسوق التهانئ القلبية الصادقة لأم الجامعات السودانية بهذا النصر الكبير ، و نرسل تحايا الشكر و التقدير للدكتور الصديق عمر الصديق الذي كان خلف هذا الانتصار ، و التفوق ، بتدريبه و نصائحه التي قدمها للكوكبة التي مثلت الجامعة فتلالأت في سماء قطر و منحتنا هذه الفرحة . [email protected]