خلع عطا الشيقيانة نزع عزبة العمامة ملص الجبة المرقعة غادر بوابة عبدالقيوم إتجه صوب بيت الخليفة وضعها جميعاً في أمكنتها صارت قطعاً أثرية أضحت تحفاً خرج تملكه الأسى !!؟... كانت البوابة مشرعة تتشامخ زهواً في مواجهة البنايات الحديثة عديمة النفع لا تهب البقعة أمناً يفوح من بين ركيزتيها عبق التاريخ أولاها عطا ظهره غادرها كسيراً !!؟.. * * * تسلل عطا ليلاً ينشد خلاء أم درمان كان جسم البوابة لا زال عالقاً بذهنه محفوراً في وجدانه تأخذه قدماه أخذاً يهيم على وجهه يجد نفسه في مواجهة شهداء كرري !!؟؟.... أرواح هائمة تسبح في ملكوت السماء تتسامى تهفو الى الجنان يتملى عطا في آثار الواقعة تتضرس مواطئ أقدامه تعلوها شجيرات شوكية تتبدى كأنها شواهد قبور تنفتح طاقة من الأسئلة يطلق سهامها تصيبه في مقتل يغيب وعيه عن إسقاطات الذاكرة يكافحه !!؟... تتنازعه بواعث شتى !!؟.... * * * كانت البقعة معسكراً للهجرة ظلت الخرطوم - في أعقاب - سقوطها - مهجورة.... إستمدت أم درمان - عبر تدفق الأصقاع - الروح القومية .... وسمت لاحقاً بالعاصمة الوطنية لم يتخذ " المهدي " عاصمة الترك مقراً له ترك لجمله العنان إنطلق الجمل من " أبو سعد " حتى برك في البقعة الطاهرة !!؟.... * * * طوى " عطا " كتاب التاريخ شمل بناظريه " أمان الخائف " شهد بعين الخيال تجليات التحولات التي نقلت البقعة الى مدينة مشى في موكب نعش " المهدي " المهيب شارك في دفنه إحتذى حذو الخليفة وضع عشرين طوبة لبناء السور تقاطر الأنصار أرهاطاً يستكملون البناء تبركاً ورغبة في الثواب كانت القبة أول بناء في إعمار البقعة الطاهرة !!؟... يلتمع فوقها هلال تخترقه رأس حربة إستشعر " عطا " بتعاظم مقام القبة في نفوس الأنصار ... لا زال الأنصار يشدون إليها الرحال للتمسح بها !!؟.... كان طلاؤها الجيري الأبيض لامعاً يبرق نهاراً ويأتلق في الليالي المقمرة لا يطويه أبداً الظلام الحالك !!؟... * * * لم ينتعل " عطا " الشيقيانة ما تمنطق بالزي الأنصاري تسلل خلسة كان بلا بريق " روزنيولي " إختلط بسواد الناس بعيداً عن عيون الخليفة !!؟... كان لصيقاً بهم شاهد صوراً حية لمس أدق حياتهم دار حول تخوم البقعة أنهك خارت قواه بلغ سفوح جبال كرري لاهثاً آب .... ولج المدينة عبر بوابتها في معية أنماط متباينة من البشر !!؟.... كانوا أرهاطاً شتى من كل جنس ولون كان سوقها مزدحماً صخبه المتصاعد يقرع طبال الآذان كانت البضائع المجلوبة من مصر تتكدس في الحوانيت .... كان الناس يتداولون النقود ولايتقايضون !!؟.... أخرج " عطا " من جيبه عملة ورقية لم يعره الباعة إهتماماً !!؟... بلغ به الظمأ مداه لمح سبيلاً ملأ إناء القرع ماء قراحاً إرتوى توضأ شهد " عرضة " كبرى لجيش الأنصار بقيادة " حمدان أبوعنجة " أعقب ذلك صلاة الجمعة كانت صفوف المصلين طويلة وعميقة !؟.. * * * أمم " المهدي " كثيراً من أدوات الأنتاج !!؟.... أصبح ريعها يدخل بيت المال لينفق في مصارف الميري !!؟.... كانت البقعة تزدان بأبهى حللها في المواسم الدينية ..... يوزع بيت الأمانة للجيوش الرايات والسلاح لبث الحماس في نفوس الأنصار تقرع الطبول يدق النحاس يخرج الخليفة في موكبه العظيم تظهر على سمته دلائل المهابة يتقدم الجموع يستعرض جيشه في ساحة " العرضة " تتقدمه الطبول والرايات بألوانها الأربعة كانت الغلبة لقوات الراية الزرقاء خفقت الراية الزرقاء عالياً إستبدت طغت مكنت الخليفة من سطوة القوة زاده السند الشرعي تحكماً إستعصى على الأشراف أن يطعنوا في ولايته !!؟... بحث عن عصبة تؤازره تدفق أهل الغرب الى مناحي المدينة نشأ صراع خلق إنشقاقاً في جسم القاعدة أدى الى ثنائية التفكير والإرادة * * * سعى المهدي لنقل حاضرته الى بلاد الشام !!؟.... كانت البقعة معسكراً مؤقتاً بحسب رؤياه !!؟.... لم يمهله الموت طويلاً قدم خليفته الجهاد على فريضة الحج لم يجعل من القبة مزاراً ما رمى لتكون البقعة مكة السودان !!؟.... أنشأ سجن " الساير " ككفارة للخطايا والآثام وجه بحسن معاملة السجناء لقى " الزاكي طمل " حتفه خلف غضبانه جوعاً وعطشاً * * * كانت قبائل "البقارة" من أكثر الأنصار حماساً للمهدية تدفقت جموعهم أرهاطاً ، أرهاطاً ملأوا أقطار البقعة إنقطعت الأمطار ساد الجفاف ، أنخفض النيل عم القحط إنتشر المحل حلت مجاعة سنة ستة تضور الناس جوعاً غارت عيونهم في محاجرها نضبت أثداء الأمهات نفقت السوام تعرض الأطفال لخطر الخطف أنقذ عطا صبياً من براثن رجل جائع لمح فتاة ضامرة تطلب الحماية من أمها !!؟... خافت أن يأتي دورها كانت أمها قد أتت على أخيها الصغير !!؟... * * * تميزت البقعة بالطابع العربي إستحالت ظلاً من ظلال الطراز الشرقي ماثلت مدناً عربية أخرى في عمرانها الإسلامي في شوارعها الضيقة تحف بها الطوابي تحميها الأسوار تحرسها البوابات يستميت الأنصار دونها * * * خرج الخليفة في جيش جرار تملأ راياته الخفاقة الآفاق كان مثار النقع يغطي السماء كأنه الغمام !!؟.... بدأت المعركة فجراً كانت صفوف الأنصار تتقدم كالأمواج الهادرة موج وراءه موج قرقعة أسلحتهم البيضاء تشق عنان السماء !!؟.... تنفجر غضباً لا تبالي بالردى يغمر جوانحها ذات الحماس الطاغي الذي سحق جحافل الشلالي وهكس باشا يرمون بأجسادهم في محرقة الموت طلباً للشهادة !!؟..... وسعياً لتحقيق رؤاهم الغيبية بذبح كتشنر ليلحق بنظيره غردون !!؟.... ليكون شاهداً دامغاً آخر لنصرة ثورة الحق المطلق !!؟.... * * * إنتفض عطا مفزوعاً !!؟.... كسر محارته جرى صرخ تبدد صدى صراخه إبتلعته منحنيات جبال كرري لم يلحق بهم عجز عن إيصال صوت النزير إليهم خارت قواه تهاوى سقط مزق الرصاص بكارة المكان حصدهم السلاح الناري حصداً منعهم من الوصول الى مرماهم حجب عنهم الرؤية حرمهم متعة إعمال سلاحهم الأبيض في اللحم الأبيض !!؟.... أستشهد في الحال عشرة ألاف مقاتل دخل الجيش الغازي حاضرة الأنصار بيت كتشنر النية على محو البقعة خطط لهدم قبة المهدي حتى لاتظل روح المهدية مشتعلة في نفوس الأنصار !!؟.... هدف كتشنر لإزالة المسجد حتى لا يتذكر الأنصار دولتهم كلما وقفوا أمام الله سعى حثيثاً لإخلاء أم درمان من قاطنيها عمل على تعمير الخرطوم نكاية في بقعة المهدية أعاد الحياة للمدينة الخربة رفع العلمين إعلاناً للحكم الثنائي أقام صلاة تذكارية لروح ذبيح القصر !!؟.... * * * خرج عطا من بين بطون الكتب ينفض غبار السنين عن إهابه ينتهك جسد التاريخ يمزق غشاء عبوديته للوقائع يرفض تقريريته وإحالاته يعيد إنتاج تراتب الأحداث يقف حائلاً فاعلاً بين إندفاع الأنصار وجحيم التهلكة يستوقفهم !!؟.... يجعلهم يكرون ثم يفرون يستهدون بضربات " عثمان دقنة " الخاطفة يطيلون أمد الحرب ينهك العدو تتهشم روحه تطيش سهامه تنحرف مراميه ينقلب السحر على الساحر يتشرذم فلولاً يحمل جراحه مغادراً فيصل مصطفى [email protected]