مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة إسمي "الهدية" وحكاية "الملاك" الذي شرب المقلب!
نشر في الراكوبة يوم 18 - 09 - 2013

أنا والعياذ بالحق من أنا يا أهلي وأحبابي وأصدقائي، أخوكم "محمد جمال الدين". كان إسمي الرسمي "محمد هدية الله" وحتى الصف السادس الإبتدائي ثم أصبح بعد ذلك "محمدا" فقط ناقصا "هدية الله" و كثيرا ما ناداني أهلي بعده عبر السنين ب "الهدية" حافة دون إلصاقها بإسم الجلالة، غير أن إسمي الرسمي على الورق وعند الآخرين يكون على الدوام محمد (محمد جمال) وتلى ذلك تمليح إسمي ب: أبو حميد وإشتقاقات أخرى عديدة . الكلام دا يأتي من وحي الترحاب والإحتفاء الفائق الذي نصبه لي أهلي في منتديات جبل أولياء فردوس النيل الأبيض (ينصرونني ظالمآ أو مظلومآ) تحت عنوان: محمد جمال الدين ( الهدية ) أهلا ومرحبا بك... شكرآ لهم.
ولإسمي المندثر محمد هدية الله (الذي صار إلى الهدية) قصة شيقة رواها أبي عن "الملاك" الذي زاره في المنام ولعدة مرات قبل ميلادي بعدة أشهر (أحب أن أشرككم إياها) لما فيها من بعض الطرافة!.
قال الملاك لأبي "سيكون ولد، ذكر، سمه، محمد هدية الله". وقال أبي أن الملاك الذي زاره في المنام عدة مرات كرر له في كل مرة من تلك المرات ذات الرسالة (محمد هدية الله) وشدد الملاك على أن الولد سيكون له شأن عظيم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. هذا الولد هو "أنا"!.
أبي كان شيخآ في حوالي السبعين أو الثمانين من عمره عندما ولدت أنا وهو رجل متصوف ورع عرف عبر حياته الطويلة الهادئة بالصدق والأمانة والتعبد ومحاولة التقرب إلى الله.
وكان أبي واثقا جدا مما بشر به وحكى القصة الشيقة للناس قبل ميلادي بعدة شهور وظل يرددها حتى حصحص الحق. وحينها لم يكن من وسيلة طبية لمعرفة نوع الأجنة في الأرحام. وروت لي أمي كما وجدتي وخالاتي وعماتي وجمع غفير من الناس "الشهود" أن أبي ابتاع لي قميصا وحذاءا خاصا بالولدان الذكور ، وجهز خروف "السماية" قبل ميلادي بعدة أسابيع.
وحدث تماما ما رواه للناس. جاء ولد، هو أنا. ورأتني أمي جميلا بطريقة لا يجدي معها غير التمائم والتعاويذ ففعلت بيدي ورقبتي الصغيرة سبحا وخيوطا من صنع الشيوخ العظام والفكية الأشداء وأعتادت أن تتردد بي على قريبي الشيخ الراحل التاج أبو كساوي وكانت "تدسني" في الغرفة المجاورة عندما تزورها حاجة (س) السحارة! . هو بالطبع شعور كل الأمهات بل كل المخلوقات تجاه مواليدهم. وأسماني أبي كما حدث به (محمد هدية الله) وكان سعيدآ غاية السعادة بي وكنت أحد موضوعاته المهمة في الحياة. حتى إذا ما شب ساعدي تترت له المفاجآت غير السعيدة !.
2-4
قلت أن أبي تعرض لعدة مفاجآت مني لم يحسب لها حسابا وكان بعضها داويا جدا ولو أنها لم تثنيه بالكامل عن تصوراته المسبقة!.
المفاجأة الأولى كانت رفضي لإسمي "الملائكي" وللمهمة العظيمة التي قال بها الملاك أي "حرب مع الملائكة" ثم توالت المفاجآت الواحدة تلو الأخرى فوق رأس أبي ولا أقول الملاك!.
عندما بلغت الثالثة كان ابي مهتمآ جدا بي حيث كنا نقيم في مزرعتنا وحدنا (لا أحد غيرنا لعدة كيلومترات) في جزيرة أم أرضة من أعمال جبل أولياء. كنت أنا الوحيد مع أمي وأبي إذ أن البقية كانوا في المدارس وإذن فهم يسكنون في الحلة مع حبوبتي " آمنة بت حماد" ثم عندما يشتد عودهم يرحلون إلى منزلنا الآخر الكائن في مقدمة الحلة بالقرب من ميدان الكورة بود أبو دروس فيقيمون عيشهم بأنفسهم. وجميعنا يمر بتك المراحل. وأنا دوري بدوري سيأتي لاحقا. بدأ أبي يعلمني بنفسه مباديء القراءة والكتابة منذ الثالثة من عمري.
وفي مرحلة محددة من دراستنا وصلنا إلى التاء المربوطة . وحدثني أبي أن التاء المربوطة تأتي لدى الأسماء المؤنثة وحدها. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى كشفت أن بإسمي "الهدية" تاء مربوطة هي ذاتها التاء التي قال لي بها أبي بنفسه ثم أكدها لي الطالب المنظم و النجيب حينها والذي سيصبح أستاذآ مرموقآ في وقت لاحق وهو الأستاذ الطاهر جمال الدين شقيقي الأكبر والذي تولى أمري بالكامل لاحقا بعد أن أوصلني ابي مرحلة محددة من الإلمام بمباديء القراءة والكتابة في حدود السنة الثالثة والنصف من عمري. ماذا حدث؟. أنني عند الرابعة من عمري رفضت أسمي رفضا قاطعا وطالبت أبي تغييره. لكنه قال لي أن اسمك من إنتقاء الملائكة "لا يجوز ولا يمكن تغييره مهما كان" وأنه إسم للأولاد لا البنات كما تظن وحاول أن يبرر لي كلما أمكن لكن دون جدوى!. فطالبته بأن يذهب للملائكة من جديد ليختارو لي إسمآ يليق بولد شقي في مقامي. لكنه تمنع بلطف شديد و أنا أصر على رفضي حتى النصر!.
وفي مرحلة محددة سألت أبي من جديد عن فحوى المهمة التي قال بها له الملاك ذو الحسن والجمال الشديدين و الذي يلبس أبيض في أبيض ولديه جناحان من نور. قال لي أبي إنه لأمر عظيم سينجلي في أوانه وصمت صمتا وقورا وكأنه يستعيد مشهد "الملاك" في مخيلته. كان دائما هدفي هو الإلتفاف على الإسم برفضي للشأن "المهمة العظيمة" التي ورطني بها الملاك دون إستشارتي!. إذ ظننت أن رفضي للمهمة على عظمتها قد يسهل من تغيير إسمي إلى محمد فقط زي محمد ود خالتي السيدة دون أن تلحقني "الهدية". ولهذا عندما بلغت الخامسة جئت لأبي وقلت له في ما معناه "أنا ما عايز أعمل أي حاجة عظيمة" مش على كيفي؟!. قال لي: لا، ما على كيفكّ!. انت مسير غير مخير. فابتأست بؤسا عظيما وأصبح يغشاني الغم والهم من كل جوانحي. يا لهذي الورطة!. ليه أنا بس "الشقي". الملاك دا ليه ما كان إشوف زول غيري!. وظل إسمي "محمد هدية الله" حتى غيرته بنفسي عند الصف السادس الإبتدائي دون أن يعلم أبي في حينه بالأمر. فأصبح إسمي الرسمي هو "محمد" وتم شطب "هدية الله" أو "الهدية" نهائيآ بواسطة القمسيون الطبي. فانتصرت لإرادتي تعسفيا. غير أن "الهدية" ما زالت تلاحقني حتى اليوم. وكم أصبح إسمآ محببآ لدي "بس بعد ما فات الأوان" ورفضت الوظيفة الملائكية وهسه شغال أشغال بشرية مرهقة وما زال البعض يناديني ب "الهدية"، يا لي من رجل شقي!.
3-4
جريمة سرقة
ستكون قصتي القصيرة جدآ هذه المرة قصة سجون. جرائم يعني. جرائمي أنا، لا زيد. أنا دخلت السجن في حياتي الصغيرة دي 9 مرات ( يعني متردد سجون) سوابق!. من سجن جبل أولياء إلى بيوت الأشباح إلى سجن مطار أمستردام حيث اتهمت بإختطاف طائرة الخطوط الجوية الهولندية الملكية (سبق أن رويت كل ذاك في أوقات سابقة).
أول سجن دخلته كان عمري حوالي 5 سنوات (جريمة جنائية) مسجلة رسميآ تحت الرقم 543 محكمة جنايات جبل أولياء. ومعلومة للجميع. .. وهذا أمر سابق على معركة الكوشة بأربع سنوات. القصة دي ليست من الخيال بل واقع مشهود وسأرويها كما هي ولن أضيف عليها محسنات بديعية.
والحكاية جاءت من طموحي Obsession في إمتلاك أنوار أحد السيارات "لمبات العربية" آنذاك. ولاحت الفرصة لي عندما سرق ثلاثة من اللصوص المحترفين سيارة ميرسيدس بينز آخر موديل وشلحوها في مكان ليس ببعيد من بيتنا. وكنا نسكن في شبه جزيرة في الخلاء مغطاة بكتل من الأشجار الكثيفة قصيرة القامة. لم يرهم أحد غيري. لم ابلغ أحد. كنت أراقبهم من على البعد متخفيآ تحت الاشجار وفي خلدي فكرتي الساحرة. كان لهم مأربهم الواضح في "الإسبيرات" (لم يكن ليهمني) وكان لي هدفي الواضح في "إسبيري" الخاص. عندما أخذوا من السيارة ما أرادو وفروا هاربين. لملمت أنا كل الممكن مستخدمآ قميصي كمخلاية. وجدت مجموعة من اللمبات المعطوبة والمهشمة وأشياء أخرى كثيرة غير ذات قيمة مادية والا لما تركها اللصوص وجئت بها راجعا الى البيت.
ولأني لم أكن لأحسب ماذا سيكون رد فعل أبي أو أمي تجاه أدوات لعبي الجديدة فضلت إخفائها في مكان أمين وحتى يحين موعد اللعب غدا. غير أن في نفس الليلة وأنا نائم جاء البوليس وأخذ أبي معه الى التحقيق.
وكان موقف أبي حرجا جدا. إذ هو معروف كشيخ ورع ولا تحوم حوله الشبهات. لكن هناك دليل مادي في بيته، شيء لا يقوى هو نفسه على تفسيره. ولا أحد طبعآ سيشك في الطفل الوحيد البري ولا أمه إذ لا أحد غيرنا التلاتة. إذن فهو الشيخ جمال الدين. وعندما علمت أنا عند الصباح الباكر بالكارثة لذت بالصمت خوفآ من عاقبة الأمر "فقد أعاقب بالجلد" وبالذات حينما يعلم خالي "الشفت" وكنت حزينا جدا من الناحية الأخرى كون جهة ما قد صادرت ألعابي غير العادية. و عندما سألت سؤالا عرضيآ من أمي إن كنت رأيت شيآ غريبا في الأمس، أقسمت بكل الآلهة أنني لم أر شيئآ لا عاديآ ولا غريبآ وإلا لكنت ابلغتها على الفور.
على كل حال لم أكن لأتصور أن مكروها سيصيب أبي كوني كنت مؤقنا بأن أبي يمتلك قوة خارقة تمكنه من فعل كلما يريد مثله ومثل الله. وفي كل الأحوال فقد لاحظ المحقق أن الأدلة المادية على سرقة أبي للميرسيدس مخفية في قميص يبدو انه "بتاع شافع".
عندها تحاومت قليل من الشكوك حولي!. وكان بالطبع قميصي. وجيء بي إلي نقطة البوليس. فأنكرت. ثلاثة ساعات وأنا أقول لا أدري. وفي الساعة الأخيرة من المفاوضات الشاقة والمضنية طلبت ضمانات محددة في حالة إعترافي، من ضمنها عدم إيقاع أي نوع من العقوبات علي شخصي وإستعادة "لمباتي" المصادرة. وقد حدث.
كما أدت أقوالي المسهبة الى القبض على الجناة بعد أن إستطعت أن أصف شكل أحدهم وكان مميزآ " طويل القامة و شعر خنفس ولونه أصفر فاقع". فأصبحت شاهد ملك. وتم القبض عليه في الحال كونه سوابق وكان إسمه فوزي، وجيء به إلي فتعرفت عليه في الحال. وبهذا تم إطلاق سراحي وسراح أبي وسراح "لمباتي".
4-4
معركة الكوشة
معركة الكوشة مثلت أفدح المفاجآت في سلسلة الكوارث المتتالية التى عاناها أبي العزيز.
كان عمري حوالي 10 سنوات (جرائم ضد الإنسانية وحرب) راح ضحيتها 15 عدوآ جريحآ، مسجلة تحت الرقم 865 محكمة جنايات جبل الاولياء. عرفت بمعركة "الكوشة". ومعلومة للملأ. العقوبة كانت في البداية تغريم أبي مبلغ مالي محدد وتهديده إذا تكرر الأمر بحجزي في الأصلاحية.
Part 1 خلفية معركة الكوشة (الحرب أولها كلام)
في ذات اليوم الذي جيء بي الى المدرسة الإبتدائية وعمري حوالي ست سنوات ربما أقل. كان على أن اختار بين الصف الثاني والثالث كوني متقدم على التلاميذ بحكم أنني دارس مسبقآ في منزلنا بواسطة أبي وشقيقي الأكبر الطاهر جمال الدين. غير أنه تصادف ان كان ذلك اليوم هو يوم التطعيم ضد الأمراض المعروفة وهو كالعادة يوم عصيب لا يقل في شيء عن يوم القيامة وقد يكون اسوأ بكثير، على الاقل في يوم القيامة هناك أمل في الجنة هناك ثواب لمن عمل صالحآ. لكن في يوم "التطعيم" هناك شيء واحد سيحدث لا غيره وهو "القروحة" الشيء الذي لا يقل في شيء عن "الطهورة" بدون بنج. فقد رأيت ألمآ وصراخآ وعويلآ تنفطر من وقعه القلوب. إنه يوم الحشر. وكنت أنا الشخص الوحيد الذي نجا هربآ بفعل لياقتي البدنية الجيدة. وجئت الى بيتنا لاهثآ كجرو عضه الجوع والظمأ. واقسمت أن لا أعود أبدآ الى المدرسة مرة ثانية.
وباءت كل المحاولات الساعية الى إقناعي بالعدول عن قراري أو "فراري" بالفشل سواءا بالقوة أو الإقناع. والسر أن لا أحد أستطاع أن يشرح لي فحوى التطعيم ومغزاه وانه يوم واحد في العمر. كنت أتصور أن كل يوم كدا!. كما أن لا أحد تصور ان التطعيم هو مشكلتي الأساسية.
وكان تفسير أمي مريحآ جدا. فأعتبرت الأمر مجرد عين "سحر". وذهبت بي الى الشيخ التاج ابو كساوي فأقر بأن بي شيء من المس. وما أخطأ!. وكان أبي أكثر عملية من الآخرين. فامر أخي الأكبر بتكثيف الحصص الدراسية التي عادة ما أتلقاها في البيت مذ كان عمري ثلاث سنوات . وكان أمرآ حسنا. وعندما بلغت مدآ محددآ بدأت الصورة "تنعدل" في رأسي واصبحت أفكر بطريقة أكثر واقعية. فدخلت الصف الثالث الإبتدائي مباشرة وكان آخر العام.
والمفاجأة غير المتوقعة وغير السارة لبعض الناس أنني حصلت في امتحان نهاية العام "أول إمتحان في حياتي" على مائة في المائة في جميع المواد الدراسية. كنت أول الدفعة بتفوق لا أحد توقعه لدرويش صغير مثلي. إذ كان مشهودآ لي بالدروشة. كان أمرآ صادمآ حتى لي أنا "ذاتي" صاحبه. فأنا لم أكن لأتوفع "مني" كل ذاك. وفي كل الأحوال فإن ذاك أمر قد يحدث وليس خارقآ للعادة على وجه الإطلاق.
غير أني اصبحت مكروهاً بطريقة مؤسسية من جميع الأولاد في الفصل. وبالذات أؤلئك النفر الذين اعتادوا ان يكونو في لستة العشرة الأوائل. فقد تسببت بشكل مفاجي في دحرجتهم جميعآ الى الخلف. بشكل لم يكن في وسع مداركهم الصغيرة إستيعابه. فإعتبروني فال نحس. وقال بعضهم بأني جن. ولغبوني بالكافر. وقالو أنهم رؤوني أجالس الموتى في مقابر البلدة " أصادق "البعاعيت". فدبرو لي مجموعة من المكائد الصغيرة المقلقة. بل وصل ببعضهم الحد الى التحرش بي وضربي وتهديدي باشكال مختلفة على أمل أن أغيب من الدراسة أو أرجع الى البيت كما كنت. وقد فكرت أكثر مرة في الأمر. لكني أصبحت شهيرآ في المدرسة ومحبوبا من الأساتذة وكل الناس تتحدث عني في "الحي" بشكل إيجابي وكثيرآ ما رمقنني الصبايا بعين الإعجاب. بل وتجرأت أحداهن بكتابة أو رسالة غرامية وصلتني في حياتي. كانت الرسالة من سطر واحد. كلمة واحدة. "بحبك".
هل أترك المدرسة؟. كل ذاك المجد من أجل مجموعة من الرعاع. لا!.
Part 2
المبررات الأخلاقية للمعركة
لقد تحتم علي فعل شيء ما تجاه ما يحاك ضدي من مؤامرة عفوية منظمة. كان شيئآ رهيبآ في صدر طفل غرير مثلي. كان ألمآ عظيمآ (شكل كل تاريخ حياتي المستقبلية). لقد توجب علي الرد، كان علي تأديبهم ولا مجال ولا خيار غيره أبدآ، هذا أو الطوفان. فتحتم علي النهوض بتأسيس أول منظمة "عصابة" في حياتي من وحي الضرورة. كانت أول منظمة مجتمع مدني من نوعها "في حينا" إن لم يكن في جبل أولياء قاطبة. جاء إسمها عفويآ "لازم نأدبهم". شملت عضويتها جميع المضطهدين والبؤساء في الحي. وتكشف لي أثناء المرحلة التمهيدية للتأسيس أمرآ جلل. إذ أعترف أحد الأطفال أنه لمدة إسبوع كامل لم يتناول وجبة إفطار. لماذا؟.
لأن فلان بن فلان كان يأخذ مصروفه بالقوة كل يوم ويهدده إذا أفشى السر بمزيد من الضرب وعقوبات أخرى مادية ومعنوية. وفلان هذا تصادف أنه هو ذاته من كان يقود الحملة المسعورة ضدي "شخصيآ" لأنه كان أخاه أول الدفعة قبل قدومي إلى المدرسة "فملى رأسه بالأحقاد" . فقد كانت هدية السماء. واعترف المزيد من المضطهدين والبؤساء والمعذبين في الأرض بأمور أخرى لا تخطر على بال البالغين ولا الجن. وجاءني الصغار زرافات ووحدانا "مبايعين وآملين" في نصر مبين.
Part 3
التحضير للمعركة ورسم الإستراتيجيات الهجومية والدفاعية
نظمنا صفوفنا وحددنا يوم الخميس التالي للقاء بالكفرة. هكذا أسميناهم. ولقبناهم بأسماء مثل أبو لهب وعبد الله بن سلول وهلمجرا. مما درسناه لتونا عن الصدام بين الكفار والمؤمنين في بداية الدعوة المحمدية..
وقد تم تعيين "سعادتي" بالإجماع السكوتي في مكان هو مكان النبي في معركة بدر. وكنت الآمر الناهي.
كنا حوالي 15 وتكون الجناح المعادي من حوالي 25 فأمرت فيالق جيشي الميمون أن يعسكر في مكان إستراتيجي جاعلين "كوشة الحي" من خلفنا. وكان ذاك هو السر من وراء تحقق النصر التاريخي الميمون.
وإمعانآ في التماهي مع ما درسنا عن حروب المؤمنين والكفار فقد ذهبت إلى أحد بنات خالاتي الصغيرات لتحمل لنا الماء وتهتم بالجرحى من خلفنا... ففعلت.
وأرسلت قبل المعركة بساعات رسولي للطرف الآخر وهو إبن خالي "عثمان عبد اللطيف"... فإتفقنا مبدئأ أن نشتبك فقط بالآيادي دون إستخدام أي أدوات أخرى "مبارزة شريفة" الشي الذي يعضده إرث قديم وأصيل من تاريخ "الجعلية" كما كنا نظن أو نسمع من الكبار.
لكن لعدم ثقتي في أمانة أعدائي فقد تحوطت بالتعسكر في مكان إستراتيجي. هو الكوشة. كوشة حلتنا. جعلت الكوشة من خلفي. آلات "اسلحة" خلقتها الظروف الطبيعية بغرض الإستعانة بها في حالة غدر الكفرة بنا (أي الخطة ب). وقد صدق حدسي تماما. كانت خطة حربية سليمة من نوع نابليوني
Part 4 The Battle
الإشتباك (تنفيذ الخطة المرسومة)
وبينما جندي يصطفون من خلفي في ثبات شديد برغم قلتهم النسبية... فقد فاجئنا الأعداء بوابل من الحجارة الثقيلة فأدموا كثير اً
منا، في مسلك مناقض للشروط والمواثيق المتفق عليها. كان شيئا رهيبا. فما كان مني إلا أن أمرت جيشي بالفر الى الكوشة (تنفيذ الخطة ب) ثم الكر بعد جلب كل ما يستطيعون من الأدوات "الكوشية" الممكنة والمؤذية، كل شي.
ثم الكر والهجوم مرة ثانية بقوة. ولكن ما حدث
كان فاجعة إهتزت لها أركان الدنيا.
إذ تصور الطرف الآخر أننا نهرب. فجرو من خلفنا يصيحون "وي وي الخواف جرى".
وفي لحظة أنهماكنا في تسليح انفسنا "كوشيآ" إلتحمت معنا القوة المعادية في معركة غير متكافئة هذه المرة. فأوسعهم جيشي ضربآ وطعنآ "كوشيآ" في كل أرجاء الجسد بادوات الكوشة المسمومة. كان دمآ مهولآ.
سقط 15 عدوآ جريحآ في خلال 15 دقيقة لا غير. تلقو جميعهم علاجات مختلفة في مستشفي جبل أولياء التخصصي (أي الكبير). كان حدثآ رهيبآ. لكن لا بد منه. إنها الحرب. ثم جاء البوليس. المفاوضات. فأعترف الجميع بلا إستثناء بأنني القائد والمدبر والمنظم. لم أنكر. وقفت أما القاضي كشيطان رجيم وقلت نعم!. كان إعترافي فاجعآ لأبي ولأهلي. وكان ما كان.
الحلقة الاخيرة Part 5
محاكمة المجرم "الهدية" قائد ومدبر " الحرب الكوشية" اللعينة والتي عقبها إنبلاج فجر جديد من العدل و الصلح والسلام.
العقوبة كانت في البداية تغريم أبي مبلغ مالي محدد وتهديده إذا تكرر الأمر بحجزي في الأصلاحية. ثم حدث شيء مختلف جدآ بعد قليل. كانت براءة بعد سماع أقوال مدهشة من أطفال دافعو عني وعن موقفي من جميع الأطراف. وقال الذي كان يأكلون "مصروفه" والله "الهدية" دا أحسن زول. كويس. و"الهدية" كان إسمي الرسمي آنذاك. ثم أنتحب باكيا بكاءآ مراً ترجرجت له قاعة المحكمة. وحكى أمره كما حكى الآخرون القصص. كانت براءة جميلة... تخلل الأمر إعتراف من الطرف المعادي بأخطائه... أشبه بلجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا..... ثم انه كان من بعدها سلام الى اليوم. سلام في أسوأ أحياء الجعليين قساوة في جبل أولياء. هو حينا "حلتنا". فأصبح كل في حدوده. وكل يأكل ما قسمته له أمه أو أبيه. ولا فرق بين ذاك وهذا. و لم يكن موقفي في الحقيقة سليماً لكن المحكمة كانت بلدية (أهلية) وكان مستشارا القاضي هما الرجلان المعروفان في البلد (يعقوب عثمان وعلى حامد) فتمت تسوية ما مع أبي لا أعرف تفاصيلها حتى اليوم !.
وتلك هي حكاية "الملاك" الذي شرب المقلب. شكراً للملاك والمحبة والتحية والسلام على روح أبي "جمال الدين" وعلى حسن ظنه بي وبالملاك... وأنا والله كلي أسف للملاك "الفكرة ما زبطت نسوي شنو؟" .
تعقيب "1":
أنا ضد العنف بكل أشكاله وبشكل مطلق. وروايتي لهذه القصص الصغيرة ليس إحتفاءآ بها وإنما أريد منها أخذ العبر الضرورية من أجل المساهمة في توجيه سلوك الأطفال نحو حياة أكثر سلمآ وإنتاجا وإبداعا. كما أنني أعتدت أت أسجل كل تفاصيل حياتي الخاصة بخيرها وشرها أظن لأنني أعيش في الغربة مذ زمن طويل وتلك الأحداث "الذاكرة" تجعلني أكثر إلتصاقاً بأهلي وبلدي، أو كأنها هي هويتي، لا أدري!.
تعقيب "2"
ب"الملاك الذي شرب المقلب" أعني بالطبع ذاك الشكل الذي تهيأ لأبي في أوانه دون أن أعني الملائكة بمعناها المطلق و المقدس... لدى البشر الآخرين!.
تعقيب "3"
لا أؤمن بالأدوار البطولية ولست "ميتافيزيقياً" وأعرف أن الناس وحدها تصنع أقدارها لا الأبطال الإسطوريين. ذاك وهم!.
محمد جمال "الهدية"
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.