في سياق تعليقه على خبر عن حادثة تم فيها القبض مؤخرا على شخص في إحدى الدول الخليجية بتهمة الاحتيال، حيث وصف بأن "جنسيته" "أفريقية"، تساءل صديقي مستنكرا: "هل هناك جنسية أفريقية؟؟؟"...وتساءلت بدوري: هل هناك أي "جنسية" غير ذلك الدفتر (الآن صار بطاقة) الذي نستخرجه من إدارة الجوازات والجنسية والهجرة لكي يسمح لنا بالجلوس لامتحان الشهادة السودانية أو استخراج الأوراق الثبوتية الأخرى أو الحصول على وظيفة عامة أو الحصول على قطعة أرض؟؟؟؟ في إحدى الدول التي تصنف بأنها "عربية" (أحسب نسبة لأهم عناصر الثقافة السائدة فيها وهي اللغة وليس لسيادة أي جنس عربي فيها، وأصلا غير موجود في أي مكان في العالم) طلب من شرطي الجوازات تعبئة استمارة من ضمن بيانتها المطلوبة الجنسية....فكتبت "سودانية"...نظر الشرطي إلي مستغربا ومندهشا ثم مسك قلمه وشطبها وكتب بدلا عنها "سوداني" ثم قال لي متهكما والمرأة عندكم جنسيتها "سوداني"... نظرت إليه بابتسامة عريضة وقلت له: لو كان السؤال عن جواز السفر لكتبت "سوداني" والمرأة أيضا تكتب "سوداني" لأنه وببساطة جواز السفر "مُذكر"...أما الجنسية فهي "مؤنث" وهي بطاقة منحتني لها وزارة داخلية السودان فكيف تكون "سوداني"...نعم أنا من السودان وأنا "سوداني" لأنني أحمل بطاقة تسمى الجنسية وهي "سودانية" وجنسية المرأة عندنا أيضا "سودانية" لأنها تحمل نفس البطاقة... ثم واصلت قائلا له: ليس هناك "جنس سوداني" ننسب له فيصير الرجل "سوداني" وتصير المرأة "سودانية"...الرجل والمرأة ينسبان لنفس بطاقة الجنسية وهي "سودانية" تمنح لنا في بلد نعيش فيه اسمه السودان كواحدة من الأوراق الثبوتية لهويتنا السودانية "المؤنثة"...وهي هوية نعتز بها لأنها تنسبنا لوطن لنا نحبه ونفدي أرواحنا في سبيله...أنا "سوداني" لأن هويتي "سودانية" والمرأة "سودانية" لأن هويتها "سودانية"...ولكننا رجال ونساء لا ننسب إلى أي "جنسية" سودانية غير بطاقة الجنسية وهي بطاقة إثبات للهوية "السودانية"... ولآن أتساءل: هل هناك حاجة للعمل ببطاقة الجنسية بعد أنتم ادخال نظام الرقم المدني والبطاقة الشخصية وجواز السفر الإلكتروني؟؟؟ في الأوراق الرسمية لمعظم (ولا أقول كل) دول العالم المتحضر التي أعرفها لم يعد هناك سؤال عن "جنسية" كإثبات للهوية...يسألون فقط عن "موطن الميلاد" و"موطن الإقامة" (إن كان يختلف عن بلد الميلاد) ورقم جواز السفر والجهة المانحة له...أما العقلية المتخلفة فقط هي التي لا زالت تصر على تصنيفنا إلى "أجناس" وهمية ليس لها سند في الواقع ولا في البيولوجيا...وهي نزعة يحركها وهم الجنس "الآري" الصافي القائم على عقلية عنصرية نازية هتلرية... من متابعتي لمباريات الدوريات والبطولات الرياضية العالمية الكبرى التي تحتكر بثها احدي القنوات التلفزيونية الرياضية لم أسمع أي معلق يحمل هوية "غربية" يتحدث عن اللاعبين السود الذين جاءوا حديثا إلى أوروبا من أفريقيا وجزر الهند الغربية بألوان بشرتهم أو التذكير المتواصل بالبلدان التي نزح منها أجدادهم إن كانوا يحملون إحدى "الهويات" الأوروبية...فقط يميزون بين هوياتهم "الفرنسية" و"الألمانية" و"الإيطالية" و"الانجليزية" (كما في نهائيات كأس العالم) أو "البريطانية" (كما في الألعاب الأولمبية)...أما المعلقين الذين يحملون هوية "عربية" فحدث ولا حرج...ليس لهم حديث غير التذكير المتواصل بأن اللاعب "الأسمراني" فلان الفلاني من "أصول أفريقية" حتى وإن لم يرى هو أو أجداده ومن خلّفهم أفريقيا.... مصطفى القاضي [email protected]