تمر علينا ذكرى أكتوبر 21 ونحن اخرون غير أولئك .. تمر علينا والوطن أيضا ليس هو الوطن ذاك بتمامه وكماله ، بل وطن اخر لم تتبق فيه من اكتوبر الا سيرتها وحتى تلك السيرة العطرة حاولت النخب المريضة العابثة من مدلسي التأريخ ، حاولوا جهدهم أن ينسفوا تلك السيرة الناصعة لأول ثورة عربية تقتلع نظاما ديكتاتوريا .. ومع كل نوبة فراغ ونزعة نجومية على حساب ثروة الشعب الثقافية تراهم ينشرون مقالاتهم وكتبهم عن التاريخ بلغة ( ولكن) تلك الإستدراكية الحاقدة المدمرة .. شهيد أكتوبر ( بعد لكن ) ماهو إلا طالب قتيل برصاصة طائشة أصابته في طريقه للحمام .. وجبهة الهيئات التي أدارت الثورة ( بعد لكن ) ما هي إلا كيانا من البرجوازيين كان يطمح لتحقيق مطالب محددة وقالوا وما زالوا يرددون القول كلما دهمتهم الخيبة بأن الثورة الحقيقية هي أكتوبر وأن الوعي الثوري في بلادنا كانت ذروته في الثورة الأولى وأن رصيدنا الثوري في السودان قدره أنه رصيد من حزمة الدفع المقدم الذي يتناقص ويتناقص حتى ينفد وليس العكس بأن يتراكم ويزيد وينضج مع مرور الزمن.. يكفي أكتوبر صدقها الثوري ، يكفيها فخرا أن شعاراتها كانت موحدة ومتعافية من أمراض العنصرية والجهوية والقبلية والتكويش وحتى مرض الإقصاء ويكفيها اكتوبر أن لونها الأخضر لم يكن بيتا من قصيدة بل كان هو بيت القصيد والهدف الحقيقي .. الذي فشلت النخب السياسية لاحقا في الحفاظ عليه وتحقيقه : وتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرا سندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا ماءا وخضرا وندق الأرض حتى تنبت الأرض لنا زرعا ووفرا شعارات البناء والتنمية وصناعة المستقبل كانت هي خارطة الطريق التي مزقتها الأحزاب وأهملتها النخب الحاكمة لتغرق في بحور خيباتها وفشلها .. ليس الذنب على الثورة أو على الثوار لكن الخطأ في التفريط اللاحق والمتلاحق إلى يومنا هذا .. ويكفي أكتوبر قوة المعنى وقوة التعبير ، تكفيها تجربة الإرادة الشعبية والتنظيم والتنسيق وحرفية العمل الثوري .. تكفيها وطنيتها ووطنية شعاراتها وشعبها الحر الذي علم الشعوب العربية كيف تكون الثورة وكيف يطيح بالظالم ويكسر قيده ( والقيود إنسدلت جدلة عرس في الأيادي) .. هي ثورة حقيقية أما الخيبة فقد جاءت بعدها بل خيبات متتالية في منحدر غريب تقوده تلك النخب التي أدمنت الفشل ولم تتعلم شيئا من دروس التأريخ .. لقد أعابوا على أكتوبر قلة عدد ضحاياها ولم ينتبهوا إلى حقيقة تقول إن هبة الشعب موحدا هدفا وفكرة تحبط أعداء الشعب وإن الثورة أعلى درجات نجاحها هي إجبار من ثارت ضده الجماهير على التنحي .. لذلك لا يمكن أن نصف بن علي بالنبل بحجة أنه تنحى مبكرا وبأقل قائمة من الضحايا والشهداء لأن بن علي لم يكن أمامه سوى خيار الهروب وكذلك مبارك الذي نسبيا تقل أعداد ضحايا مواجهته في ثورة يناير المصرية قياسا بعدد المصريين وعدد الثوار فكان عدد الضحايا أقل من المتوقع لأن رسالة الثورة كانت مفصحة وبليغة ولم تترك أمامه فرصة للتوهم بأنه يواجه إرهابيين أو مجرمين .. هو يواجه الشعب ولن ينجح في هزيمة الشعب مهما بلغ من قوة .. هنيئا لكم هذه الذكرى العطرة ولتكن دروسها وعيا وعبرة .. [email protected]