من يدخل الى دنيا السياسة عليه أن يرضي بتقلبات أحكامها ! تلك واحدة من حكم التجارب التاريخية ..ولكن هل يعقلها كل الحاكمون..! فكم من حاكم في التاريخ بشقيه القديم والحديث سقط من فضاءات سلطته العالية الواسعة كالطائر الأهوج ليغدو هاتفاً من خلف قضبانه بحنجرة أفول زمانه وموت غنايه : توهماً بأن صوته لا زال يخيف الآخرين مثلما كان نافذاً طليقاً ! الا.. يتعظ من يشاهدون نظرائهم السابقين وهم يشدون أسياخ الأقفاص وفي دواخلهم يمور الشعور بتمني الواحد منهم لحظة الخروج من هذا الذل لا ليعود رئيساً وإنما ليعيش بقية حياته فلاحاً بسيطاً أو عاملاً فاعلاً بساعديه ..ليقتسم لقمة هنية مع زوجته وأولاده ..مطلّقا الى الأبد مرجيحة السياسة التي ترفع الحالمين عليها عالياً لتحط في سكرة الهوى بصاحبها فجأة الى سقطة الحضيض ! ألم يشاهد رئيسنا بالأمس من كان صنوه في سلطة زائلة بغض النظر عن الظروف التي أدت الى فقدانها ..وهو يقف في قفص الإتهام بعد أن كان حتى القريب يخطط لأن يكون هو القاضي الأوحد والحاكم الدائم في مصير أمة بحالها لصالح جماعة بعينها ..فدفعوا معاً ثمن تكالبهم على أكل بصلة التمكين المبكر التي أغرتهم رائحتها دون أن ينتهبوا في غمرة تهافتهم الى المصيدة التي نصبها لهم الشارع والجيش فوقعوا فيها وهاهم يتصايحون خلف الأقفاص تباكياً على لبن مستحق لو أنهم قاسمو ا فيه الآخرين من ابناء الشعب.. لما جعلوا أنصارهم شتاتاً في شوارع الأيام يلطمون معهم الخدود حسرة على التفريط في مكتسب شرعي وندماً على الإفراط في طمع حرام ! في العقدين الماضيين سقط من سقط ومضى الى مصيره.. وشنق من شنق وقتل من قتل فاستراحوا دافعين ثمن ما أرتكبوه في حق أنفسهم وشعوبهم التي لا زالت تسدد فواتير عهودهم باهظةً بعد أن تركوا لها دولة الرجل الواحد الخربة التكوين و الطويلة التيلة ..فأستعصى عليها أن تعيد الأمور الى نصاب دولة الجماعة ! لا أدري مدي سعة أو ضيق قفص الرئيس البشير الصدري على ضميره الحبيس خلفه إن كان في ضميره بقية روح حتى الان وقد أوصل هو و أهل نظامه البلاد الى درك سحيق من الفقر والضياع..وهو ما تنبه له أهل مصر مبكراً وهاهم جماعة الأخوان يحاسبون عليه رغم أن عمرما ارتكبوه من سوء تقدير بقياس الزمن هو عام واحد ! فما هي أعداد الأقفاص ياترى التي تنتظر البشير وجماعة تمكينه الماحق ..قياساً الى عمرسوء إدارتهم وفسادها الذي يضاعف التجربة المصرية بأربع وعشرين مرة بحالها ومآلها ! ولكن ما أنا متيقن منه أن قفص حرية الرئيس عمر البشير الذي يتحرك فيه الان تحديداً كحاكم وفي هذه المرحلة هو أضيق أقفاص كل حكام العصر الحديث ! وهاهي جماعة حكمه وحزبه وحركتهم الإسلامية تتدافع بالمناكب بحثاً عن نوافذ القفز بعيداً عن مركبه الغارق لا محالة ! بل هو قفص أضيق بكثيرمن ذلك الذي تبادله .. مبارك ومرسي وقد يدخله ذات السيسي غداً إن لم ينجز ما وعد به كذريعة أدخلت اليه جماعة مرسي بتراكمات عام واحد جاء بهم من عند ما ظنوه سعة لن تضيق .. الى قفص يتمنون الآن أن ينفتح لهم ضيقه الى نسمة الهواء الطلق ..! إن قفص الخوف والهم والهواجس وإن بدأ فيه رئيسنا طليقاً حراً يتنقل وسط حراسه .. ولكن ما أضيقه بمقاييس الظلم وعدم إحقاق العدل بالتساوي بين الناس..والأسوأ من كل ذلك حينما يكون خلف ذلك الرئيس الغافل في حركته داخل ذلك الفقص الضيق ..دماً يغلي وهو يهتف منادياً بالثأر ! [email protected]