الإنترنت بداية ثورة ام نهاية حضارة؟؟ لا ينكر أحد ما أحدثته ثورة المعلوماتية من طفرة علمية واسعة ، أسهمت بقدر واسع قي نقل الإنسانية من وهدة التخلف إلي قمة الرقي والرفاهية ، كما انها أختزلت المسافات الشاسعة التي كانت تفصل بين أفكار الشعوب ،فباتتت المعلومة سهلة متاحة في متناول يد الجميع كل ما عليك هو النقر على تلك المفاتيح الصغيرة لتطوى لك الأرض طيا حقيقيا عبر سماء الأسفير ومن ثم تنهمر عليك فيض المعارف في شتى ضروبها ومختلف مناحيها دون لأي أو جهد أو حاجة لقطع الفيافي والأدغال كما كان يفعل أسلافنا في قديم الزمان منذ عهد الصادق المصدوق الذي قال (أطلبو العلم ولو في الصين) حيث يفهم من سياق قوله عليه الصلاة السلام هو ان الصين كانت أبعد مسافة وصلت إليها حضارة الإسلام إبان فترة الفتوحات الإسلامية ،فلك أن تتصور مقدار العنت والمشقة التي تلظى بنارها الأقدمون في سبيل تحقيق رسالة العلم والحصول على المعلومة الموثقة من مظانها ، وذلك بخلاف العهد الذي نعيش فيه والذي غدت المعرفة مادة ترفيهية أكثر من كونها رسالة يشد إليها الرحال ( عهد العلم المدلل) ، حيث أصبح سلاح المعلومة الطازجة التي تبث عبر تلك المسارات الإلكترونية الأفتراضية إفتك بالآف المرات من آلة الحرب الحديثة ؛ التي تتطلب تشغيلها مزيدا من المال والرجال ، فبسلاح الإنترنت يمكن لرجل المخابرات الذي يتمتع بالحنكة الشخصية والمهارة الذاتية أن يفكك أمبراطوريات حقيقية من جيوش جرارة تجوب الأرض ، وذلك عبر مسارات أثيرية إفتراضية وهو جالس على مقعده الوثير في مكتبه الفخيم ، وكذلك يمكن للقرصان الذي فتح عليه أبواب الأسرار الإلكترونية من ان يتسلل إلي البوابات الخلفية لأعتى الإمبراطوريات الإقتصادية وتدميرها او المساومة عليها عبر ملايين الدولارات وهو لم يبرح مقعده الذي يدير من خلاله العملية البتة دون ان يترك أثرا خلفه سوى تلك الشاشة البلورية الصغيرة الملحقة بتلك الأزرار الرباعية المصغرة ، فهنالك مئات الآلاف من المعارك التي تدار عبر شبكة الإنترنت يوميا سواء أكانت تلك الحروب بين المؤسسات الإقتصادية ، او الإستخبارات الحكومية أو حتى بين الافراد عبر شبكات التواصل الإجتماعي .لقد بات هذا العالم الإفتراضي عالما موازيا للعالم الحقيقي من حيث تفاعله مع الحدث في حينه عبر الأذرع التي ترفده بالمعلومة الخبرية ثانية بثانية ، فصار هذا العالم الإفتراضي يزخر بزخم معلوماتي منقطع النظير يكمن بين لفائف شبكته المعقدة يمكن إستدعاءه متى ألم بالمرء داء الفضول وشغف المعرفة وهي ذليلة مسخرة في أيدينا ( وهذا فضل من الله الذي وهب العقل ) ينبغي الشكر عليه . إلا ان الإنسان قد حاد عن الطريق وأساء إستخدام هذه النعمة ووجهها في غير مقاصد الشرع تلبية لرغبات نفسه ، ونزغات شهواته ،لقد صار الإنترنت صالة مفتوحة للمعارك الأسفيرية بين أشباح بشرية تقبع بصورة عشوائية في أركان هذا الكون ، فالكل يلقم سلاحه ليصيب عدوه في مقتل وذلك عبر تلك المسارات اللولوبية الإلكترونية الإفتراضية ، ليصيب إنسانا إصابة حقيقية في شخصه ، وهو متمترس خلف جدر قد تبعد آلاف الكيلومترات عن موقع االإصابة بالرصاصة الإلكترونية ومتحوصل بصبغة جينية يتم تغيير حمضها النووي كلما تم التعرف على صيغتها تماما كما يفعل فيروس الأيدز حينما تهاجمه الأجسام المضادة ،فاليتق هؤلاء ( إنما الامم الأخلاق ما بقيت أن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ) . أن البعد الأخلاقي في إستخدام هذه الشبكة العنكبوتية ، ينسحب على الثقافة التي يعتنقها الإنسان فرجل الدين غالبا ما يكون بمنأى عن أساءة الادب في كتاباته ، وذلك لأن فضيلة المعتقد الذي يعتنقه يحول بينه وبين الإنجرار إلي مهاوي القلى ، والسقوط نحو الحضيض ، وإنما يجعل من الإنترنت مطية توصله إلي رضوان ربه ، بينما ينكب الرجرجة والدهماء والغوغاء واهل السفاسف والأهواء في بث سمومهم وترويج بضائعهم الكاسدة ضاربين بقيم الأخلاق والدين أرض الحائط . فهنالك شبكات للدعارة ، وتجارة الرق ، وترويج الربا، المقامرة ، الإلحاد ، زنا المحارم ، مواقع تعليم السحر،اللواط وهلمجرا فما من صالح ولا طالح إلا و تعج به هذه الشبكة العنكبوتية.فالسؤال الذي يطرح نفسه هل يعد الإنترنت بداية لثورة العلم المتجدد الذي لا يحده حدود أم نهاية لحضارة الإنسان على ظهرهذه الأرض لما وصل إليه من تدنيس للقيم ، وأفساد للأخلاق ، وشراء لكرامة الإنسان بثمن بخس دراهم معدودات عبر المواقع الإباحية والماجنة التي تبث على مدار الساعة ؟ أنور يوسف عربي [email protected]