من اجل تدوين سوداني الرسالة العربية المحمدية الخاتمة: نسبة لوصول المجتمعات إلى مرحلة تحولات تستطيع معها استيعاب مغزى الحياة الإنسانية بالنسبة لها، وكذلك وجود الاخر المختلف داخل حيز الوعي الإنساني، وبداية وضوح علاقة الإنسان مع الطبيعة وتأثيره داخلها وإمكانية فهم تلك العلاقة أي التكامل الإنساني الطبيعي، فلم يعد هنالك ما يمكن إضافته من جانب الإله كإرشاد للإنسانية من اجل استيعاب معني الحياة، فكانت الرسالة المحمدية الخاتمة والتي سرد فيها الإله شكل التحولات والرسالات التي أرسلها ولماذا تدخل ايجابيا في الحياة عندما كانت المجتمعات بعيدة عن بعض ولا تستطيع ان تدعم بعضها، وما تميزت به الرسالة المحمدية بشكل أكثر خصوصية هو وضوحها الشديد للمفاهيم الكلية مثل التكامل والاختلاف الإنساني الإنساني (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، أو التكامل الإنساني الطبيعي، وكذلك بشرية الرسل وعدم امتلاكهم لمقدرة خاصة أي ليسوا وسائط الهية بمقدرة خاصة ولا يتميزون عن مجتمعهم إلا بكونهم من النخب المتقدمة على المجتمعات في الاستيعاب، وكذلك مفهوم الإله المتعالي الذي خلق الحياة بفعل كلي وترك للإنسانية الفعل الجزئي تتكامل أو تتقاطع مع ذلك الفعل الكلي. الشرك في الرسالة المحمدية العربية: رغم وضوح الرسالة العربية في المفاهيم الكلية إلا انها كانت في حاجة إلى نخب حقيقية لاستيعاب تلك الكليات وربطها ببعضها البعض ومع مجتمعاتها الحقيقية أي ربط الرسالة مع تحولات مجتمعاتهم، ذلك ما جاءت به الرسالة للنخب اما بالنسبة للمجتمعات عندما ألحت على السؤال (يَسْأَلُونَكَ) وكانت في انتظار قيم إلهية أرجعت تلك الرسالة المجتمع إلى قيمه الذاتية وأكدت فقط على القيم التي كان ينتخبها الرسول او بعض الصحابة من داخل القيم الكلية للمجتمع. ولكن غياب النخب الحقيقية الساعية نحو الحقيقة بعيدا عن ما يتم توارثه هو الذي جعل التدوين للرسالة المحمدية لا يختلف عن بقية الرسالات من حيث تدوين الاستيعاب المجتمعي لها، ومن هنا جاء دور المجتمعات لترميز مفهوم الإله الفاعل بديلا للإله المتعالي داخل قيم الرسالة الجزئية مما قاد إلى إشراك تلك القيم مع الكمال الالهي، واتبعت النخب ذلك الاستيعاب المجتمعي ودونته كرسالة إلهية، فتم إشراك الرسول والقيم المجتمعية إذا كانت في العبادات أو المعاملات داخل الكمال الالهي. بين الإله الفاعل والإله المتعالي: لان المجتمعات قد وصلت إلى مرحلة الاستيعاب الذاتي كما ذكرنا وعدم وجود ما يمكن إضافته كإرشاد من الإله إلى الإنسانية، لذلك جاءت هذه الرسالة تحتوى على المفاهيم كما هي، وهو السبب الحقيقي الذي جعل الإله لا يخضع للرجاء والإلحاح من قبل المجتمعات العربية ليتوافق الإله الذي أتي بالرسالة (الإله المتعالي) مع الإله الذي في ذهنها (الإله الفاعل)، فرغم خضوع الإله في مرات سابقة لذلك الرجاء والإلحاح إلا انه كان في مراحل تحولات سابقة ولم يكن هنالك تكامل مجتمعي تستطيع معه المجتمعات ان ترى الآخر داخل حيز وعيها المباشر مما يمكن تلك المجتمعات من الاستفادة من بعضها البعض أي كانت الإنسانية في ذلك الوقت داخل ذهنية الفرد ترتبط بمجتمع محدد وبمكان محدد مما يضطر الإنسان إلى البقاء رغم الظلم، فالإله المتعالي هو اله فاعل في الكليات وليس في جزئيات الفعل الإنساني الإنساني أو الإنساني الطبيعي، فلا يذهب الى مراده تدريجيا ولكنه (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)) وغيرها الكثير من الآيات، اما الإله الفاعل داخل الحياة الإنسانية والذي يدلل على وجوده بآيات محددة فقد انتهي عهده مع الرسالة الإرشادية المحمدية بوصول المجتمعات إلى مرحلة التحولات التي تستطيع بها الاستيعاب إذا استوعبت الواقع المباشر أمامها (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)). فالآية الحقيقية هي محاولة استيعاب المعاني التي في الرسالة الإرشادية فيوجد بها ما يفيد النخب أو المجتمعات إذا توصلت إلى مغزى الحياة الإنسانية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)). ويجب ان لا نعتقد ان المصحف العثماني لوحده يكفي فالمصحف عبارة عن آيات ترشد إلى مغزى الإنسانية ولا يوجد به حقيقة مباشرة يمكن اكتسابها بالقراءة (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)). وهو ما يجعل من المصحف العثماني كامل المعني وليس كامل المبني كما يقول أصحاب الرؤية العربية. الرسول محمد كوسيط الهي: يقوم الاستيعاب المجتمعي برد قيم الرسالة الإرشادية واستيعابها داخل قيمه التاريخية التي تأتي مع التحولات ويغير فقط في الأجزاء ولكن تبقي الكليات كما هي فيعوض اله باله وعبادة بعبادة ولكن مفهومه للإنسانية والآخر والإله الفاعل تبقي كما هي، ولقد ذكرنا سابقا ان صفة الوسيط الإلهي هي صفة تاريخية أتت لقصور المجتمعات عن استيعاب الإله المتعالي وكذلك قصورها في استيعاب مغزى الحياة الإنسانية في التكامل الإنساني الإنساني أو الإنساني الطبيعي، ونتيجة لذلك القصور تحول الإله المتعالي إلى اله فاعل داخل الإنسانية ولكن من خلال وسائط يعبر بها عن نفسه إذا كانت تلك الوسائط من الطبيعة كما كان يقول التاريخ أو من البشر أو من البشر والطبيعة. ولذلك نجد المجتمعات العربية قد ضغطت على الرسول كثيرا من خلال الإلحاح والرجاء ليكون هو الوسيط للإله الفاعل كما في ذهنها، ولكن لانها الرسالة الخاتمة فالمفاهيم بها لا تعبر إلا عن معناها الحقيقي والمباشر وتحديدا المفاهيم الكلية، ولذلك كل ما سعوا إلى التأكيد رؤيتهم تلك من خلال حضه على الإتيان بآية كان الرد يأتي بان لا آيات (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)). لانهم في الحقيقة لا يبحثون عن الآيات حتي يؤمنوا ولكن يبحثون عن ما يوافق وعيهم التاريخي عن الإله والرسل، فاذا كانت الآيات هي التي تؤدي إلى إيمان الفرد لآمن بني إسرائيل (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)). لذلك رفض الإله ذلك الإلحاح وأكد على بشرية الرسول وانه مجرد رسول حامل لرسالة وليس مستبطن لها (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)). إذا الرسول محمد لا يختلف عن مجتمعه إلا في كونه نخبوى وتلك هي الصفة التي تم اختياره عليها، اما امتلاكه لمقدرات خاصة فهو الوعي التاريخي بان الرسول كوسيط الهي يمتلك جزء من المقدرة الإلهية (مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)). وقد التفت الرؤية النخبوية العربية التي تقوم على الوعي المجتمعي على الرسالة الإرشادية ورجع الناس إلى مفهوم الوسيط الإلهي وأصبحوا يرون الرسول ليس من خلال الرسالة ولكن من خلال وعيهم الذاتي الذي تم تحذيرهم منه، فرأينا الرسول الكامل الذي لا يخطئ رغم وجود الارشاد (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)). إذا الاختلاف بين محمد البشري ومحمد الرسول هو محاولته الدائمة للتواصل مع الرسالة من خلال وعيه النخبوى، اما في كل أقواله وأفعاله فهو يمثل مرحلة تحولات تاريخية محددة ومجتمع محدد، فقد كان يعمل على قراءة الرسالة من خلال مجتمعه ويعمل على قراءة مجتمعه من خلال الرسالة للتوصل إلى وعى كلي، ولذلك يتمثل الشرك في اعتبار ان الرسول يمثل الإله قولا وفعلا ويؤدي ذلك إلى عبادة أفعال وأقول شخص ولو كان رسول إلا انه في الاخر بشر. خالد يس [email protected]