لم تكن زيارة الدكتور محمد مرسي لروسيا مرحباً بها، وكان هناك قلق عربي بعد ميل حكومة مرسي لتحالف بريكس الإشتراكي. فيتكرر المشهد بزيارة المشير عبدالفتاح السيسي لموسكو، بل الفرق أن الدكتور مرسي استطاع جذب الروس لبلاده دون خسارة، بينما ذهب السيسي إليهم بأموال مصر. وهنا السؤال الحقيقي ما الذي تمتلكه روسيا في مصر؟. يعلم الباحث في الشؤون الإفريقية أن جمهورية جنوب إفريقيا هي رائدة القارة وبوابتها للعالم، وأن إنضمام جنوب إفريقيا لتحالف بريكس أعطى الروس والصينيين حق الوجود في قرارات إفريقيا المصيرية. ومصادر مُطلعة أكدت أن جنوب إفريقيا توافقت مع حكومة مرسي على رعاية مصر لمنظومة أمن القارة الإفريقية في الشمال، وذلك بعد تفاهمات أجراها مرسي مع حلفاء جنوب إفريقيا كالروس والصينيين. فنجاح هذه التفاهمات هو السبب الحقيقي الذي أزعج الأثيوبيين، مما جعل أديس أبابا تلوح بورقة سد النهضة خوفاً من تقدم المصريين نحو الشرق الإفريقي (شبه العربي) وشراكتهم القرار مع الاثيوبيين. وسرعان ما تحول التخوف الإثيوبي بعد عزل الدكتور مرسي إلى فرصة حقيقية لهم، وأن الفرصة مواتية للتقرب من بريتوريا التي عبرت عن غضبها بعد تدخل الجيش المصري، وقلب أول نظام مصري اقترب بجدية من إفريقيا وأمنها القاري. وقد أدرك السيسي أن جنوب إفريقيا لن يتغير موقفها بسهولة بعد عزل القاهرة عن القارة الإفريقية، وإعلان جنوب إفريقيا عن فتح جميع سفاراتها في العالم لخدمة منتسبي حكومة الدكتور مرسي. والأرجح في زيارة السيسي لروسيا أنها تحمل في طياتها الملف الإفريقي، وليس لروسيا شيء في مصر غير أنها الأقرب للقوى الإفريقية، والأقرب للحقيقة أن السيسي حمل رسالة أمريكية للروس تطلب رعاية موسكو لحوار غير معلن مع الأفارقة، أهمها عودة مصر للإتحاد الإفريقي، والتوسط مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ووقف التشنج الجنوب إفريقي تجاه مصر. وخلاصة القول: أن ما قام به عبدالفتاح السيسي ليس إستكمالاً لما قام به محمد مرسي، بل هو العودة من جديد للروس، ولكن الزيارة الثانية حملت فاتورة قيمتها مليارات الدولارات، وتنازلات بشأن مطالب الشعب السوري، وحرب على الإرهاب الإسلامي. ويبقى السؤال: هل سوف تقبل جنوب إفريقيا الحلول الروسية؟، أو ترفض كما رفضت التدخلات الاوروبية والأمريكية في بعض قضايا القارة الإفريقية. إن الأمن القومي الحقيقي لمصر لم يعد في المنطقة العربية فقط، بل أخذ يزداد في إفريقيا، حيث أصبحت المعطيات الجغرافية هي الأقوى على الساحة، وما تمتلكه روسيا في مصر هو القرار الجنوب إفريقي ودور الأفارقة في مياه النيل والحدود. بلال الصباح -رئيس تحرير صحيفة المورد الافريقي -بريتوريا [email protected]