لماذا الهوية: ان الازمة السودانية في عمقها عبارة عن ازمة فكرية لمفهوم الانا الكلية وتتمظهر بعد ذلك في اشكال مختلفة نتيجة للتقاطعات التي انتجتها النخب السابقة في تعريفها لتلك الانا. ذلك لا ينفي سعي النخب السابقة لمحاولة استيعاب الواقع والانسان السوداني، ولكن ما عاب رؤيتها هو تبنيها لفلسفات الثقافات الاخرى كما هي من مفاهيم وقيم ومحاولة تلبيسها للواقع. وهو ما ادي الى حالة استقطاب فكرى على مستوى الاحزاب السياسية التي تبنت ذلك الفكر ولكن مع استمرار المجتمع على تعريف ذاته داخل دائرة مرحلة ما قبل الثقافية وهي مرحلة القبلية، ورغم ان النخب اجترحت لنفسها مفاهيم للانسانية تختلف عن مفاهيم المجتمع الا انها في سلوكها الحقيقي كانت تسير وفق هوى المجتمع وتصنيفه للذات والاخر. الاحزاب السودانية: بدات الاحزاب السودانية الدخول الى عامل الثقافة السودانية من بوابة الاخر ولانها نشات بعد الاستعمار فقد كان هنالك تداخل بين مفاهيم الثقافة العربية والثقافة الغربية داخل تلك الاحزاب من اجل تعريف ماهية السودانوية، فالاحزاب التي كانت تمثل الوسط مثل الامة والاتحادي كانت تضع الديمقراطية (كمفهوم غربي) في الواجهة كقيمة ايدولوجية وتقول بالاسلاموية في منهجها الفكري (كفكر عربي)، اما التيار اليميني الاسلامي الذي اخذ مكانته مع الترابي فقد كان يضع الشريعة الاسلامية كمحرك ايدولوجي (فكر عربي) ويقول بالديمقراطية في منهجه (فكر غربي)، اما التيار الماركسي والقوميين العرب الذين كانوا يمثلوا اليسار فقد كانوا يقولوا بفكرة الماركسية او القومية العربية دون ايراد لمفهوم الديمقراطية او الاسلام. بعد الثمانينيات بدات تنشا احزاب تقول بالديمقراطية فقط كمحرك ايدولوجي مما اعاد ترتيب الساحة السياسية من جديد الى يمين الوسط ويسار الوسط وغيره، واستمر الحال على ما هو عليه الى مجيء الربيع العربي والذي ظهر فيه تمايز كامل بين الفكر العربي والفكر الغربي رغم محاولة نخب الوسط ويمين الوسط القول بالدولة المدنية او دولة المدينة ولكن اكتشف اخيرا اليمين ان الديمقراطية الغربية (الفكر الغربي) لا تستوعبه ويقود الان داخل السودان محاولة استطفاف جديدة نتمني ان تنجح وهي الفكر العربي مقابل الفكر الغربي وهو ما يتيح المساحة واسعة امام الفكر السوداني للظهور وتجاوز تلك الثنائية التي ارهقت الواقع كثيرا. السودانوية: على النخب الصاعدة اذا تجاوز مواقف النخب السابقة الت يوقفت داخل حدود الفكر العربي والغربي بكل محموله التاريخي، وما لم تنتبه له تلك النخب ان ذلك الفكر في جوهره تعريف للذات في مقابل الاخر، فالانسانية في جوهر الفكر الغربي للانسان الغربي الابيض وتبقي القيم تابعة له، وكذلك الانسانية في الفكر العربي للانسان العربي وتصبح قيم الاسلام وغيرها تابعة. فاذا الدعوة الى السودانوية ليست ترف فكري ولكنها شرط لازم لتجاوز كل القصور الذي لازم الثقافة السودانية واقعدها كل تلك الفترة وتمظهر في تنافر المجموعات السكانية والحروب الاقصائية التي حاولت ان تصل الى ابادة مجموعات سكانية كاملة، ولكن ما تحتاجه السودانوية حتى تظهر هو مواجهة الفكر العربي والغربي ورده الى بيئته التي يتماها معها ونزع الايدولوجية عنه، وتحديدا في قيم مثل الدين والشريعة وغيرها عند الثقافة العربية التي تخترق من خلالها الثقافة العربية الثقافات الاخرى، وكذلك قيم مثل العلم والعقل والديمقراطية التي تمثل مكنيزم اعادة تدجين الاخر وبالتالي يتحول الى مسخ مشوه. فالسودانوية تجعل الكل السوداني في مقابل الاخر وتصبح القيم السودانية التي انتجتها التحولات الاجتماعية هي المقياس الاساسي، ولا يعني ذلك عدم الاستفادة من الثقافات الاخرى ولكن الاستفادة تكون في اطار المفهوم دون القيم اذا كان في اطار الدين او الرسالات الارشادية كما نقول، او في المنطق الذي يبدا من الواقع وليس من المجرد. [email protected]