فور وصولي المملكة بأيام زرت الاستاذ الحبيب والصحفي الكبير السمؤال محمد أحمد آدم بمنزله بالرياض فكان اللقاء مدهش في حضرة المدهش ! كل شي كان في اللقاء " تاريخ السودان والحقبات كلها " .. اليوم إخترت لكم اليوم مادة له ..استاذ سمؤال اتحف الخليقة بزبرجد معانيك ياأسرار الحرف الجميل ( مرافعة امام بنتي الحبيبة مودة "الصغيرة" وهي تطفئ شمعتها الاولى ) هو يوم ليس كسائر الايام، تطفئين شمعتك الاولى تتطلعين يمنة ويسرة ولاترين اباك، مثل كثير من ابناء السودان اباءهم غياب، غربة واغتراب ،وطن جديد واعادة توطين ، سجون وعذاب او في الغابات وعلى هامات الجبال قتال وحينا اقتتال، واخرين طواهم الردى والغياب. تتطلعين ولاترين وردة من عمك الوحيد عماتك "مودة" او "منار" خالك "عمر" او خالتك "تييسير" كلهم يهنؤنك "بالاسكايبي" يشاركونك عبر الوسائط بالقبلات، حياتنا بعد التجاور اصبحت مراسلات، لان ووطننا ياحبيبتي رغم وسعه لم يعد يسع الجميع. وسعتنا المنافي وصرنا اكثر شعوب الارض هجرة بعد ان كانت اقل الكلمات تداولا في قاموسنا، لان وطننا الحبيب بين ليلة او ضحاها لم يعد لنا، تنكر لنا ام عصبوا عينيه فلم يعد يعرفنا؟ لم نعد ندري وضاعت الكلمات في متاهة اللغات وتطلسمت مدارك المعنى. هي حكاية طويلة يا حبيبتي ولكن لابد ان ابدأ، فقط أبدا ربما لم تزل في الذاكرة بداية الحكاية فنهاياتها لازلت مفتوحة على كل الاحتمالات، حكاية بلد لم يعد يفهمه احد ولايفهم احدا، وقد تتوارثها اجيال، قصة حزينة لاناس أضاعو وطنا فضاعوا . هي ليلة طويلة وليس اكثر، خرج بعدها الوطن وكانه احتسى نهر الجنون، احتجبت سماؤه وقصر ظله وانحسر نهره العظيم وعكس مجراه وصار ياخذ بعد ان كان يعطي. اسودت القلوب وقعقع السلاح وقاتل الابن اباه وزج الاخ اخاه في غياهب السجون، انكرت النساء ازوجهن وتبادلوا الادوار، اقيمت الاعراس في عرائش المآتم وتشابهت الاتراح والافراح، زج بالشريف وجئ بالوضيع، ابعدوا النزيه وحكموا السفيه، انعكست الاخلاق ومُجِد الفساد، انزوى العلم وسادت الجهالة والضحالة، وتوارد اللقطاء من كل فج عميق تكالبوا على غنيمة التراب، ثم لم يعد غير مخمصة وجوع ثم عام من رماد يعقبه عام من رماد. صيحة شقت اليباب اطلقها ناطقنا وانطقنا كاتبنا واكتبنا " من اين جاء هولاء" ربع قرن، مات صاحب السؤال ولم يعد جواب. حبيبتي كلنا اليوم غياب وجوابنا بسيط حبيبتي فقط قلنا "لا"، حرفين اورثتنا القوائم السوداء وهي عزة لك حين تدركين ان اهلك جميعهم ممن قالوا "لا". ربما جدك هاشم الخليفة الذي يسبل الان عليك عطفه ليمسح جرح الغائبين - وهم كثر واولهم اباك - يشرح لك معنى القوائم السوداء حين سبلته ثلث عمره وحرمته ان يطأ ارض الوطن. وعمك الوحيد - سيف اليزل - كان عالما لا يشق له غبار زاهدا كل حلمه خلوة وركوة وبعض طلاب نجاب، وحين قال سلطان الجور بايعوني باسم الله قال "لا" لأن "لا" في اوانها جهاد . وعمتك من تحملين اسمها طبيبة بسيطة حلمها رغم كل علمها ان تعالج من لا يملك الاسباب، وعمتك منار منارة "بيئية" لا مجال لها في الوطن لان ليس للبيئة حرمة ، وفوق ذلك كانت في سنين الجامعة "ديمقراطية" تعشق "مظفر النواب". وخالك عمر وخالتك تيسيير كل ذنبهم ان اباهم كان مواطنا معارضا في القائمة السوداء. "تجمعوا " وقالوا فالنقاتل حملنا ارواحنا على اكفنا وكانت سنينا عاصفة، تسللا في ليال كالحة، جمعوا شبابنا، سفروهم، دربوهم ثم قاتلوا وقاتلوا مثلما لم يكن قتال. جدتك "فوزية" لم تستطع صبرا، خافت تعاقب الجراح على الجراح واقسمت ان ترى اولادها، تحصنت و رتلت "جوهرة الكمال" وعبرت الحدود صوب "اسمرا" زارت " ألبو" محل الرجال غلبوا" وعاينت الشباب الغبر في "كلهوت" صيحتهم " احد احد" وجرت دموعها غزيرة وهي تقرأ الفاتحة واقفة على مقابر الشهداء - اللذين لم يعد يذكر دمهم احد - فجاءة قالوا السلام "وقلبوا البارودة" كما يقولون في لبنان ، قلنا للندخل في السلم كافة ولم يسمع احد، وتم تقسيم الوطن على موائد اللئام. "صافح قادتنا الاعداء، ناموا في الجيش الاخر والجيش يحارب" "النواب" وسقط القادة والاعداء وبينهم وطن ينز من الجراح. ضاقت ارض الوطن كأن لم يكن وطن، ويممت وجوهنا المهاجر هربا من المجامر، فان لله في قلب كل مؤمن وطن , والارض ارض الله واينما تولي وجهك فثم وجه الله . وعمك المسكين كفيله مليك الناس ابدله "الخلوة" منبرا في تكساس. قلنا "فالنحرس العقاب" ولكن لم يعد "عقاب" وانا في مدارج المطار اسمع صيحة تقول "لا وفاق مع النفاق" حينها ادركت ان جهدنا لم يضع سداً فهناك من قبض الثمن. الصادق جادالمولي محمد عبدالله صحفي وكاتب عمود عٌتمة ونور بصحيفة الوطن السودانية [email protected]