لا اقدس في الحياة من لحظتين. حين تسافر الروح، تقرر الرحيل عن الجسد، تاركة اياه، متوقفة عن مده بطاقتها للحركة و النمو و الالتفات. لحظة مقدسة، تتجلي فيها عظمة الله سبحانه و تعالي. و لحظة اخري، هي مقابلها، ضدها، لحظة الميلاد، انسان بتكوين صغير يخرج الي الحياة من بطن حياة اخري، لحظة تسبح فيها، لحظة يصغر فيها كل العالم الاّ الله. حياة جديدة من حياة قديمة، لتستمر الحياة. مكانة الأم في النفوس، و تعظيم دورها هو تعظيم لتلك اللحظة، حين منح الله البشر الحياة، حين نفخ الروح، حين استخلفهم في الارض. لحظة تتكرر مرات و مرات كل ثانية في العالم و لا تفقد ندرتها و قدسيتها و لا نملك غير الدهشة حينها. تقديس الام هو من تقديس الخَلق، و برها هو الوفاء لصنع الله، و حسن صحبتها هو من شكر الله، علي الحياة نفسها. ليس الذكر كالانثي، و نعمة الامومة خُصت بها الانثي دون الذكر، لأنها الانسب لحمل سر الوجود، لتكن النوع الذي يحمل سر الحياة و يدفعها للاستمرار من لحمها، و دمها، و عظمها، و قبلا من صبرها و رحمتها، و ايمانها بعَظَم سرها، و قدرتها علي حمل و وضع و رعاية رسالتها. فالامومة هي نعمته التي تتجلي عندها عظمته و قدرته، لا يشكر الله عليها من خصهُن بها وحدهن، و لكن كائن من كان، فما اعظم النعمة و ما اعظم المُنعِم. استغرب لشخص لا يحترم النساء، يسعد بالتقليل منهن، و يسكت عند اهانتهن، و قد خصهن الله بدفع الحياة علي الارض لاستمرار خلافة الانسان فيها. حين تظنها رضت ذلاً، تكون قد اختارت السكوت عن الصغائر لأنها مشغولة بالكبير من الامور. و حين تظنها انكسرت تكون قد نجحت في ايهامك بما ظننت، لأنها مشغولة بجبر الحياة. و حين تظنها صاغرة للاهانة، تكون مصغية لنداء الحياة في داخلها لتدفع به عجلتها علي الارض. ما كانت لتكون الانسب لو لم تكن لها القدرة علي تحويل الذل و الانكسار و الاهانة الي ترفع عن الصغائر و جبر للمكسور لتدفع بالحياة. يقولون ان الرجال يتفوقون علي النساء في الفكر و الابداع و الاختراع و الطموح و النفوذ و. . .و ...و .. قولوا لهم: يرحمكم الله ما الاختراع و ما الابداع بعد احتواء الحياة في احشائها، فوضعها، فرعايتها. و هل علي الارض، بعد الشمس طاقة الاّ منها. اتسأل ام الابداع عن ابداع، و هل من طموح اكبر من رعاية الحياة، ام سلطة و نفوذ اقوي من سلطان الامومة. الي كل ام، كل ثانية و انت بكل الخير، و كل ثانية و انت مترفعة عن صغائر الحياة من اجل الحياة نفسها. كل ثانية و انت بايثارك ترفدين الحياة بالحياة نفسها. كل ثانية و انت تبجلين الله، تسبحينه، حين توفين امانته لحمل سر الحياة. و كل الخير و العافية و حسن الجزاء في الدارين لأم قد تحملت ظلماً، او قهراً، او كسراً، او ذلاً، و تحملت غياب السند، و ان في وجوده، لترعي رسالتها، و تفي امانتها التي حملها الله، لتحافظ للبشر علي الحياة علي الارض.