لا يختلف متفق أو مختلف، بأن الرجل وضع سطوراً بأحرف يقرأوها كل مطلع على صفحات كتاب من تاريخ السودان. والمجال هنا لا يتسع أن نسرد ولو بعضاً من تاريخ الرجل السياسي الذي غلَّفه بالغطاء الديني، مروراً بجميع مراحل الأحداث التي كانت وما زالت تحدث وقائعها حتى اللحظة في هذا الوطن الكبير العظيم!! الدوائر الغربية تعلم أكثر من أهل دياره مقدرات الرجل ودهائه، ولذلك فإنها تحتاجه الآن في هذه المرحلة بقدر ما كانت تخافه وتبعده في أوقات سابقة. وهو بدوره وفي قرارة نفسه يعلم ذلك جيداً، ولذلك فإننا نظن أنه قد لا يفوِّت هذه الفرصة التي أتته وهو في أواخر العمر، بأن يصنع شيئاً يكتب له في ميزان حسناته، ولا نتدخل هنا في ما بين العابد وربه، ولكننا نستشهد مقارنة ومقاربة بما حدث في مسيرة التاريخ الاسلامي، وخاصة الذي حدث عند خلافة أبو بكر وأحداث سقيفة بن ساعدة، وما كان من خلاف ما بين المهاجرين والأنصار، فهل كان ذلك الخلاف عن خلاف ديني أم أنه خلاف سياسي؟ وهل الحكم عند بني أمية كان خالصاً لله أم أن السياسة فعلت أفاعيلها تحت ستار الدين، أم أن الرجل (الترابي) اقتدى بخطبة معاوية بن ابي سفيان عند توليه الحكم وخطب في أول ما خطب في الناس بالمدينة قائلاً: (يا أهل المدينة إنكم وليتموني أمركم ولكم أن تعلموا بأن ما كان عند أبوبكر وعمر منكراً فإنه اليوم عندنا معروفاً وما عندنا اليوم منكراً فسيكون لما بعدنا معروفاً. فهل الرجل (الترابي) توافقت برجماتيته مع واقعية معاوية والتي هي ما تطلبه القوى الكبرى الآن؟! فإن الرجل يعي ذلك تماماً فإنه حتماً سينفذ ذلك لا سعياً لمنصب، فقد أثبتت الأيام ذلك بأنه لا يسعى إلى منصب رغم أن خصومه يعتقدون غير ذلك، إنما كفارة له " اتبع السيئة الحسنة تمحوها". فيقبل بالدور، ويكون هو رجل المرحلة تحت إرادة القوى العظمى. وكما أسلفنا فإن هذه القوى تعلم جيداً قدرات الرجل وتأثيره الواسع على شعوب المنطقة الاسلامية والتي تنشد الاستقرار فيها، وخاصة في السودان الكبير قلب افريقيا والعالم لتمرير أجندتها المرسوم لها أن تتحقق، والتي آن أوانها الآن حين كانت في وقت سابق تبعد الرجل تماماً بعيداً عن دوائر اتخاذ القرار واستطاعت أن تنجح وتفعل ذلك في زمن المفاصلة لقوى الاسلام التي كادت أن تهزم أيدلوجية الغرب في وجود الرجل (الترابي) على رأسها فكيف لها أن تترك ذلك وهي التي قال المراقبون وقتها عن السودان وعن هذا الشعب العظيم الذي أنتج مفكرين يشار إليهم بالبنان في كل المجالات، وحتى أصبح حزب اشتراكي "كالحزب الشيوعي السوداني" أقوى حزب بالمنطقة اعتمد عليه الاتحاد السوفيتي ولجنته المركزية في موسكو وقتها اعتماداً كلياً كأهم حزب "يخدم مصالحها ويحقق المراد في كل العالم. فإن كان هكذا هو الحال والشعب السوداني يعرف بفطرته أنه ذو ميول اسلامية، فكيف يصير الحال إن تركت زمام الأمور لحزب ذو اتجاه اسلامي يحكم البلاد؟ إنها الطامة الكبرى لتلك القوى أن يحدث ذلك في وقت لا يراد له أن يحدث فكان لابد من مجابهته ومحاربته كأمر واجب وحتمي، فلذلك كان من الضروري إقصاء الرجل حينها ولكن الاحتفاظ به لحين الضرورة والتي أتى زمانها الآن..والرجل يدرك ذلك بدهائه السياسي وأيضاً باتساع معرفته وعلمه الاسلامي ونهجه الخاص، والذي نعتقد أنه سيحقق للوطن الكثير المثير في مقبل الأيام القادمات في تجربة جديدة تهزم جميع المسميات للدولة .. مدنية كانت أم علمانية أم إسلامية. وقد تأتي فعلاً بالسودان الجديد. (المشهد الآن) [email protected]