أمس كان دور الحزب الشيوعي السوداني.. ليلته السياسية الجماهيرية الأولى في ميدان (الأهلية) في أمدرمان.. في حي الملازمين.. الجمهور أكثر من الذين كانوا في ندوة حزب المؤتمر السوداني أمس الأول بميدان الرابطة في حي شميات.. مشاركة المرأة كانت ملفتة كماً وكيفاً.. وكورال الحزب الشيوعي ألهب الحماس في بداية الليلة وختامها. أول متحدث الأستاذ ساطع الحاج المحامي.. خطاب (تعبوي) جياش.. ثم تلاه الأستاذ يوسف حسين عضو اللجنة المركزية والمتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي.. واختتمت الليلة الأستاذ آمال جبر الله عضو اللجنة المركزية أيضا.. وتمددت في مساحة زمنية كبيرة. تكرار انقطاع التيار الكهربائي وفي ظل شح الثقة في قبول الحكومة بالحريات جر الاتهام بالمؤامرة.. والحقيقة يبدو غريباً أن يظل التيار مقطوعاً كل هذه المدة.. على كل حال التنظيم الجيد.. وروعة الجمهور ووعيه ساعد كثيراً في إخراج جيد لليلة. عمود (حديث المدينة) أمس أثار غضب كثير من أهل المعارضة الحزبية.. بعضهم قال لي إنها البداية وما كانت تستحق كل هذا النقد.. ومن الأجدر (التشجيع).. بدلاً من (التحبيط).. ولكني ذكرتهم أنها ليست بداية.. إلا إذا كانت الأحزاب قررت مسح تاريخها الطويل. ولأن الأداء السياسي للمعارضة مهم جداً.. لوزن الكفة مع الحكومة.. وللاستقرار السياسي في بلدنا.. فإني مهتم جداً أن تدرك المعارضة أنها أمام امتحان كبير.. امتحان الحريات.. والطريقة الوحيدة لعبوره هو بذل أقصى جهد (علمي!!) وسياسي. الاتصال الجماهيري المفتوح.. عملية صعبة ومعقدة.. ليست مجرد حجز كراسي من محل مناسبات وطباعة لافتة كبيرة لخلفية المسرح ثم (ساوند سيستم).. الأهم من كل ذلك إعداد جيد (Home work) يصل مرحلة (البروفات).. للتأكد من دقة (الرسالة الإعلامية) المستهدفة من خلال اللقاء الجماهيري.. خطورة هذه الندوات أن الجمهور المستهدف ليسوا هم من يحضر اللقاء في الميدان.. بل هم جمهور عريض كبير تنتقل إليه عدوى الرسالة الإعلامية عبر الأثير الاجتماعي.. فإذا كان جمهور الندوة خمسة آلاف فقط.. فإن رسالتها الإعلامية تنتقل بصورة مباشرة لخمسين ألف على أقل تقدير.. وبصورة غير مباشرة إلى (500) ألف آخرين.. وبما أن الشعب السوداني يجيد فن تزويق (بل وتضخيم) الرسالة الإعلامية التي يتناقلها.. فهي تصل بحجم أكبر كثيراً من حجمها الحقيقي.. وهو المطلوب.. إعلامياً.. حسناً.. ماهو هدف (الرسالة الإعلامية) المعارضة؟؟ في تقديري يجب أن تنحصر بكل دقة في جملة واحدة (يا شعب السودان.. ماك هوين سهل قيادك.. سيد نفسك مين أسيادك).. بعبارة أخرى.. يا شعب السودان أنت غائب ومغيب.. تقدم وافرض صوتك فوق كل صوت.. وإرادتك فوق كل إرادة.. الخطاب الجماهيري في الليالي المفتوحة يجب أن يكون عاطفياً جياشاً يجبر الجمهور على الوقوف بأرجله فوق الكراسي.. أن يحس الجمهور أنه مظلوم.. مظلوم.. مظلوم.. وأنه ثائر.. وغاضب.. وقادر.. وأنه لن يدخل (الجُحر) مرة أخرى مهما كانت المخاطر.. في الليالي السياسة لا ينفع التحليل السياسي.. الجمهور يأتي من أجل (شحن الرصيد) المعنوي بخطاب قوي منفعل مؤثر..خطاب يضاعف الجمهور في كل ليلة سياسية جديدة.. وفي نهاية الأمر يتحول الشعب إلى أمواج هادرة.. ترسل إشارة قوية للحكومة.. مفادها.. (أني خيرتك فاختاري.. رضانا.. أو سخطنا.. لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار).. والحكومة التي تخاف شعبها.. تحكم بما يرضي شعبها.. اليوم التالي