بالضبط وللأسف هذه هي حالة البلد في ظل نظام الإنقاذ.. حيث لم يعد يغيب عن أحد هذه الأيام أنَّ هذا النظام أفسد نظام على الإطلاق قد ابتليت به بلادنا.. بل حتى مناصريه والمدافعين عنه ما عاد بإمكانهم انكار هذه الحقيقة.. واذن اللصوصية ونهب المال العام والسرقات والاختلاسات قد صارت من الأمور المعتادة والمنتشرة جداً في بلادنا في ظل نظام التمكين كشرب الماء وتنفس الهواء.. لذلك لم يعد مستغرباً أن تجد واحداً كان بالأمس من أفقر خلق الله المعدمين، لا يملك شيئاً ولا حتى ثمن تذكرة الباص، تجده فجأة وبدون مقدمات وبقدرة قادر قد أمسى من الأثرياء والناس المهمين في البلد، والمذهل أنَّه يجد كل التقدير والإحترام، وهذا مما يشجع على المزيد من اللهط والفساد.. فلا أحد يجرؤ أن يسأل: من أين لك هذا؟.. بل بالعكس ستسمع من يقول: ما شاء الله فلان ربنا فتح عليه وصار قرن في الحكومة.. ويعني ذلك أنَّ مجرد الإنتماء لحزب النظام والتعلق بأهداب الحكومة قد صار يعد من الأسباب الوجيهة جداً للثراء والعيش الرغيد. والأنكى من ذلك والمضحك والمبكي في الآن نفسه أنه رغم معرفة الناس يقيناً بإنتشار هذا النوع من الفساد على نحو مفزع، ورغم علمهم الراسخ بعدم تورع هؤلاء المفسدين من لهط المال العام، تجدهم عندما تظهر على سطح الأحداث إحدى قضايا الفساد يتناولون هذه القضية بإستغراب شديد.. فتجد الصحافة الورقية تتكلم، والصحافة الإلكترونية تتكلم، والناس في مجالسها تتكلم، وحتى مواقع التواصل الإجتماعي تتكلم.. كأنَّ الفساد وأكل المال العام من الأمور النادرة جداً في بلادنا.. ثم بعد أن يقتلوا الموضوع بحثاً وتنقيباً وكلاماً يتم نسيان الأمر كأنَّ شيئاً لم يكن وتستمر حياة الناس الرتيبة كالمعتاد.. لا أحد يخرج من بيته وينزل الميادين العامة والشوارع الحيوية ويحدث ضغطاً على النظام مطالباً بمحاسبة المفسدين والضرب على أيديهم.. وإنما تمضي الحياة أكثر من عادية لا يعكر صفوها شئ، حتى تنجم مجدداً على السطح قضية فساد أخرى، فيلوكها الناس من جديد لفترة من الوقت وهكذا دواليك. وأغلب الظن أنَّ سبب ظهور قضايا الفساد هذه بين فينة وأخرى، يرجع الى صراعات داخلية محتدمة وعنيفة بين السادة اللصوص أنفسهم.. وفي سبيل رغبة طائفة منهم في ازاحة طائفة أخرى منافسة لها لكي يخلو لها الجو وتنفرد بالكعكة.. ولأنَّ نظام الإنقاذ ليس بدعاً بين الأنظمة الإستبدادية الشمولية التي بذلت كل جهودها في تدجين الشعوب وبث الرعب فيها فاستكانت لها ردحاً من الزمان وتظاهرت بالإستسلام، حتى أذن الله لها بالإنتفاض والثورة على القهر والفساد، فإنَّ نظام الإنقاذ يوقن الآن تماماً بأنَّ الشعب السوداني قد صار بفضلهم لا يهش ولا ينش.. وأكبر دليل على إمعانه وتماديه في إذلال وإحتقار الشعب مقابلته لهذه الفضائح وقضايا الفساد الهائلة بلا مبالاة وبفقه السترة وسياسة التحلل، وكأنَّ المال مال أبيه وأمه لا مال هذا الشعب المغلوب على أمره. مثل هذه التصرفات لا تفهم ولا يفهمها حتى تلميذ الإبتدائية سوى أنها تمثل قمة الإستهانة بالشعب واحتقاره وإذلاله، وهل هناك أقسى وأشد من خروج اللص المجرم مرفوع الرأس معززاً مكرماً تحت سمع وبصر الشعب؟.. أما السيد اللص الهمام فمن المؤكد أنَّه سيقلق مضجعه ويحميه المنام وخز الضمير من غبائه، وكيف لمثله أن يدقس هذه الدقسة.. فيحفّزه ذلك الى مزيد من التحدي لإثبات ذاته واسترجاع ثقته بنفسه.. واذا به يتلهف الى هبرة أخرى يعوض بها الضائعة تلك، والمأسوف عليها.. والتي سيكون لصُّنا الضرغام حتماً قد خرج منها بدرس بليغ يهديه نحو مزيد من التجويد وإعمال الفكر في التكتيكات فائقة الذكاء للهبرات القادمة. المعز عوض احمدانه [email protected]