حدث في أحد أحياء مدينتنا أن التلميذ ذو الستة أعوام والذي يدرس بالصف الأول من مرحلة الأساس والذي بدأ مشواره التعليمي بالمدرسة التي تجاور الحي العريق والذي يقطن فيه مع أسرته بالمدينة التاريخية ، قد غادر منزل الأسرة مسرعاً بعد أن أشرفت والدته علي تجهيز كل إحتياجاته المدرسية للحاق بالطابور الصباحي ومن ثم الإنتظام في الفصل لتلقي دروسه اليومية ، ولكن وبعد أن وصل التلميذ للمدرسة عاد أدراجه مسرعاً نحو المنزل ... وعند وصوله المنزل سألته والدته السؤال البدهي والطبيعي ؛ مالك يا ولد جيت راجع بدري كده ؟؟ الليله ما في قراية ولا شنو ؟؟ فرد التلميذ ؛ في قراية يا امي .. لتسأل الأم ؛ طيب إنت جيت راجع البيت ليه بدري ؟؟ فرد التلميذ ؛ لأنه يا أمي فصل سنة سادسة وقع !! لتعلق الأم بغضب ؛ طيب إنت مالك ومال فصل سنة سادسة ؟؟!! ليرد التلميذ بأسي ؛ ما أصلو يا أمي نحن بنقرأ في ضل فصل سنة سادسة ، ولمن فصل سنة سادسة وقع نحن تاني نلقي لينا ضل وين عشان نقرأ فيه .. عشان كده أجزوا لينا !!!!!!!!! هذا هو حال التعليم في دولة المشروع الحضاري ... شاهدت عدداً من مدارس الأساس داخل مدينة الأبيض مشيدة من الشوك والقش فقط وهي تعتبر معبر للمشاة من البشر ومعبر كذلك للأغنام والكلاب .. وأن تلاميذ الفصول الصغري بالتحديد يجلسون علي الأرض لتلقي الدروس .. وأن هذه المدارس لا توجد بها حمامات .. بل لا توجد بها أزيار ولا حتي براميل لشرب الماء .. الفصول لا تحمي من المطر ولا البرد ولا شدة الحر .. إن حال هذه المدارس يعتبر وصمة عار علي جبين دعاة دولة المشروع الحضاري . لا توجد مدرسة يتم فيها توزيع الكتاب المدرسي لكل التلاميذ ، وإنما يتم إحضار عدد من الكتب لا يكفي لربع عدد التلاميذ بالفصل .. ومن أراد أن يوفر كتاباً لإبنه أو إبنته فعليه التوجه للسوق ليجد كتب وزارة التربية والتعليم معروضة للبيع وبآلاف النسخ ، يعني لا يوجد شح في الكتاب المدرسي ، ولكن الكتاب المدرسي سرب للسوق من قبل المافيا للحصول علي أكبر قدر من المنافع المادية لأصحاب المشروع الحضاري .... ما زالت الرسوم المفروضة علي التلاميذ مستمرة مع أن الدستور ينص صراحة علي مجانية وإلزامية التعليم في مرحلة الأساس .. وما زال عدداً من التلاميذ يحرمون من الدراسة بسبب عدم تمكن اؤلياء أمورهم من تسديد هذه الرسوم ، لآنهم حقيقة لا يملكون هذه الرسوم ليدفع الثمن التلميذ أو التلميذة حرماناً من الدراسة وطرداً من الفصل والمدرسة وأمام زملائه أو زميلاتها ليترك ذلك أثراً سيئاً في النفس قد يدفع البعض للتخلي عن الدراسة بسبب هذه الممارسات الغير إنسانية والسلوك الغير تربوي ... كل هذا الواقع المؤلم والمفجع سببه أن نظام المشروع الحضاري ومنذ أن سطا علي السلطة بليل إعتمد ميزانية خصص منها 70% للدفاع والأمن ، وخصص جزء لا يستهان به من هذه الميزانية للصرف علي جهاز الدولة المترهل بالوزراء والولاة والمعتمدين والمستشارين والمساعدين ، و لم يخصص للتعليم سوي أقل من 1% من هذه الميزانية .. ولذلك كان الواقع المزري والمؤسف ... الحل يكمن في ذهاب نظام الفساد والإستبداد والصرف البذخي ، ولا يتأتي ذلك إلا بتنظيم الصفوف ومواجهة هذا النظام بالإعتصامات والمسيرات والعصيان المدني والإضراب السياسي إلي حين إسقاطه . [email protected]