تشير المصادر إلي أن "بوكو حرام" بلغة الهوسا تعني أن التعليم الغربي الحديث حرام وهو الأسم الذي اتخذته جماعة نيجرية مسلحة تعمل علي تطبيق الشريعة الاسلامية في جميع ولايات نيجريا. تأسست الجماعة عام 2002م ومنذ ذلك الحين قامت بعدد من العمليات المسلحة في أنحاء نيجريا وفي 14 ابريل الماضي اختطفت الجماعة أكثر من 200 طالبة من مدرسة ثانوية في ولاية برنو. وهو العمل الذي أثار ومازال يثير حملة تضامن عالمية من أجل اعادة الطالبات المختطفات الي أسرهن. وقد لفتت عملية الاختطاف أنظار العالم الي هذه الجماعة القادمة من خارج التاريخ والاسلام والاسلام منها براء. هل يمكن أن يحرم الاسلام العلم وأول آية أنزلت من القرآن آية (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). كما ربط الاسلام التكاليف الشرعية بالعقل ودعا الي التفكر والتدبر واعمال العقل. لذلك لا يمكن الصمت علي ما تطرحه هذه الجماعة المنغلقة والتي وصفها مفتي المملكة العربية السعودية، "هذه الجماعة ليست على صواب وهدى لأن الإسلام ضد الخطف والقتل والعدوان، مشيرا الى ان "تزويج الفتيات المخطوفات لا يجوز وحرام فالزواج ليس بيد الغاصبين.".. يبقي السؤال من أين جاءت هذه الجماعة التجهيلية؟ الاجابة بكل بساطة أنها جاءت من رحم الاسلام السياسي الذي روجت له جماعة الاخوان المسلمين منذ وقت بعيد في أفكار مؤسسيها حسن البنا وسيد قطب وغيرهم. جميع منظمات الاسلام السياسي المعروفة اليوم تشربت أفكار تنظيم الاخوان واستهدت به في اطار رد فعلها في التعامل مع مستجدات العصر وصعود العالم الغربي ( أوروبا ,امريكا) بآلته وحداثته ومخترعاته واستعماره علي حساب معظم الاجزاء الاخرى من العالم خاصة العالم الاسلامي. بدلا من التفكر والتدبر واعمال العقل والاستفادة من منجزات البشرية العلمية والتقنية وتطويعها لفائدة الاسلام والمسلمين اتجهت جماعات الاسلام السياسي الي مقاطعة هذه المنجزات واعتبارها الشر بعينه بل ومحاربتها أحيانا كما تفعل "بوكو حرام" أو "التعليم حرام" الآن. وهنا يظهر أن "بوكو حرام" قد وفقت أيما توفيق في اختيار الاسم المناسب تماما المعبر عن رؤية الاسلام السياسي تجاه العلم والتعليم ووفرت علي أعداء الاسلام والمسلمين الكثير من الجهد في البحث عن الادلة في حربهم ضد الاسلام والمسلمين. تساؤل آخر، ماذا استفاد الاسلام والمسلمين من الاسلام السياسي ومغامراته؟ هل زاد المسلمين قوة أم ضعفا؟ ماذا استفدنا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ ماذا استفدنا من مغامرات تنظيمات الإسلام السياسي في كل ارجاء العالم؟ ماذا استفادت أفريقيا من الاسلام السياسي في والصومال والسودان وأفريقيا الوسطي؟. من الممكن هنا أن نقدم بعض الاجابات السريعة. الصومال لم يبقي الا اسمه وذهبت الدولة والمجتمع وتشرد أهله في اصقاع الارض. في السودان استحوذ الاسلام السياسي ممثلا في تنظيم الاخوان المسلمين، "الجبهة القومية الاسلامية" آنذاك علي السلطة في انقلاب 1989م ومنذ الوقت يعاني السودانيين الأمرين. أصبح السودان سودانين شمالي وجنوبي بعد موت عدة آلاف من الجانبين في حرب يراها الاسلام السياسي في الشمال جهادا ويراها الجنوبيون حربا من أجل الاستقلال من دولة لم تحفظ حقوقهم وفشلت في أن تعاملهم كموا طنين وليس رعايا. حتي المسلمين السودانيين أنفسهم لم يسلموا من ويلات الاسلام السياسي ومغامراته حيث تعيش البلاد عدة حروب في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان يقدر ضحاياها بمئات الآلاف. هذا اضافة الي تشريد مئات ألاف اخرين في كل اركان الارض. والمتابع لما يدور في السودان هذه الايام وما ينشر عن فضائح فساد كبار المسؤولين من ولاة ووزراء وغيرهم يدرك تماما أن الاسلام السياسي ليس له علاقة بما يطرح من شعارات براقة تدعو الزهد في الدنيا وبذل النفس من أجل نصرة الاسلام والمسلمين. إن حجم الفساد الذي يتكشف الآن في السودان لم يحدث الجزء اليسير منه طيلة فترات الحكم السابقة حيث رحل العديد من رؤساء هذا البلد الي العالم الاخر وهم فقراء. أما عن أفريقيا الوسطي فقد دفع مسلمي هذا البلد الفقير ثمن مغامرات الاسلام السياسي جميعها حيث لاقي المسلمين هناك ألوانا من العذاب والقتل والتشريد ما لم يحدث لمسلمين في بلد افريقي آخر. يبقي التساؤل الأخير، هل يصلح الإسلام السياسي لأفريقيا؟ هل يساعد علي نشر الدين الإسلامي بين الأفارقة غير المسلمين؟. انتشار الإسلام في أفريقيا خاصة جنوب الصحراء تم بمبادرات فردية من أفراد في الغالب من المتصوفة قدموا الي تلك المجتمعات من المغرب العربي وتميزوا باحترام عادات وتقاليد الشعوب الافريقية واتجهوا الي تربية الأفراد وتغييرهم في إطار تعليمي سلمي سلاحه الاساسي الكلمة والقدوة الحسنة. لذلك دخلت هذه المجتمعات في الإسلام جماعات وافرادا. ترى ما هي القدوة التي يقدمها حملة الإسلام السياسي في أفريقيا أو في غيرها؟. إن الاسلام السياسي سيظل سياسيا يسعي من أجل السلطة فقط وبعد الحصول عليها يتحول حملته الي رجال أعمال همهم جمع المال بكل السبل والتمتع بملزات الدنيا مثلهم مثل أي بشر آخرين في مفارقة صارخة بين الأقوال والأفعال والشعارات والممارسات وهذا ما يمنع عامة الناس من المسلمين من الاقتداء بهم فما بالك بغير المسلمين. إن التنظيم الذي يحرّم التعليم والعلم لابد أنه "يحلّل" الجهل وبذلك تكون "بوكو حرام" جهل حلال. [email protected]