العاقل من يتعامل مع الفرصة الأولى بذكاء أقرب للدهاء، لأنها عادة لا تتكرر لطرق الباب الواحد أكثر من مرة إلا نادراً.. ليس كل من تزود ونال شهادة عالية له عقل راجح ليفهم ما يدور حوله.. لأن (القلم ما يزيل البلم).. مثلاً ترفض زوجاً بحق وأنت في القمة (جميلة.. صغيرة.. نايرة) وترى بعين الرضا بعد الاقتراب من الهاوية وسن اليأس وصرت (جاعدة.. كبيرة.. بايرة) القرد غزالاً.. وقبل أن تقع الورقة (الصفقة) من الشجرة في خريف العمر.. يجب التفكير الجدي لإبرام شروط البيع والشراء (الصفقة).. هنا لابد من الجميع الوقوف فرحاً وإجلالاً وتصفيقاً (الصفقة) للتعامل مع الفرصة الأخيرة بحكمة وواقعية.. وتنجح في اصطياد (الصفقات الثلاث) بحجر واحد.. حدث عطب كبير بقطار الشوق رقم 30/35 المقل لأكثر من (35) ألف راكبة جميعهن يحملن المؤهلات المرموقة من طبيبة ووزيرة وصيدلية ومهندسة ومحامية وصحافية ودكتورة ومديرة والمتجه للمدينة المعدة لإقامة زواجهن الجماعي.. المؤسف أن العطل كان في مكان لا نهر فيه ولا شجر ولا طير ولا حجر ولا حياة ولا نشور.. بين نمرة 30 و35 والغريب والعجيب أن ثمة علاقة بين رقم القطار والمحطتين وأعداد وأعمار الركاب التي تترواح بين 30 35 عاماً أي أواخر سن العنوسة وبداية سن اليأس.. العطل كان كبيراً وإمكانية الإصلاح كان مستحيلاً، ولما جنّ الليل تنهدت الدكتورة منال لسوء الحال وضياع الحلم والمنال وعندما يأتي هجير النهار يحل ظل القطار بديلاً لضل الرجال.. ضاع الحلم، لم يعد هناك وقت لإعادة شريط أحلام اليقظة.. كانت الأمنية الوحيدة أن تحمل لقب "زوجة" ولو بصفة "مؤقتة" ولو لعام لكنها اعتبرت هذه الأمنية دخلت باب الطمع.. حسناً شهر بل أقل.. يكفي يوم واحد.. ساعة واحدة.. لا يهم إن كان معوقاً.. معتوهاً.. مريضاً..طفلاً.. شيخاً.. كهلاً.. زوجاً لثلاث.. أباً لعشر أو عشرة.. عاطلاً.. أمياً.. تعليم أولي.. متوسط.. جامعي بشهادة مزورة اشتراها من بقالة.. على استعداد لتحمل نفقات الزواج كافة من الألف للياء، (شيلتان بدل واحدة بهما طقمان من الذهب استراحة، قاعة لا يهم عشاء كوكتيل، بوفيه مفتوح مقفول لا يفرق كتير نفقات شهر العسل خليها سنة في شقة مفروشة، فيلا، فندق من نجمة لخمسة، وربما تصل لرتبة المشير نفقات حنة العريس مع البدلة الفاخرة لليلة الكبيرة وهدايا لأهله تعال بس بملابسك اللي في رقبتك، ولو جيت إيييييد ورا وإيييييد قدام ما في مشكلة).. وإن رغب الزواج عليها في اليوم التالي فمساهمتها جاهزة وأولى المباركات.. هنا توقفت عقارب الساعة وتبخرت الأحلام الوردية وهي تحسب وتظن أنها أمام الشاشة البلورية تتابع مسلسلاً تركياً أو تجلس متيمة لمشاهدة فيلم هندي في الكلوزيوم درجة ثالثة "تيرسو".. أو درجة ثانية "سكندو) "أي لوج".. فجأة ظهر الكابوس وأصبحت ترى الأشياء بالعين الحقيقية المجردة دون غشاوة.. بعدها أطلقت إحدى الطبيبات صرخة أقوى من دوي صفارة القطار قائلة: خذوا لقبي وكل شهاداتي وأعطوني زوجاً!!.. كنت أجهل تماماً معنى (أريد زوجاً.. أو أريد زوجة) عند عملي في تحرير الكثير من الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية متعاوناً، أو عبر تصفحي الشبكة العنكبوتية.. شروط في السن والوظيفة والمكانة الاجتماعية ومواصفات في الوسامة والطول والعرض.. عرض وطلب ومصالح وتجارة وسلع تباع وتشترى، وأحياناً فشل ذريع رغم هذه الإغراءات وتكون (بضاعتنا ردت إلينا) الآن ذهب عني العجب بعد معرفة السبب، وأصبحت الحكاية حقيقة ماثلة أمامي لا خيالاً ومجازاً كما كان في الماضي. السؤال: كيف تكون الحياة الزوجية في مثل هذه (الصورة المقلوبة)؟!.. هل تتبدل المراكز وتتحول العلاقة الزوجية والمهام والحقوق والواجبات والتعامل والعصمة بين الزوجين؟؟!! * كلام من دهب: شاهدت بالأمس في الفضائية السوداني وتحديداً (مراسي الشوق) قصة مؤلمة لشاب سوداني يدعى محمد عبدالله عثمان وأسرته المكونة من زوجة سعودية وخمسة أطفال.. محمد يبلغ 35 عاماً لم ير أباه منذ أن فتحت عيناه وأبصرتا الدنيا.. لا يعلم عنه شيئاً، حياً كان أم ميتاً.. بيد أنه يسمع عن صديقين لوالده، أحدهما حي يرزق ويملك شركة وسط الخرطوم.. عاش حياة معقدة وكئيبة بين أقرانه وليلة زفافة.. حاول مراراً أن يعيش بصيص أمل للقاء وعناق والده ويعوضه السنين العجاف الطوال، لكن القنصلية السودانية بجدة أطفأت حتى النور الخافت الذي كان يحميه من ظلام النهار قبل مجيء سواد الليل وحرمته مجرد مقابلة القنصل ليشرح له هذه المأساة متعللة بأنه لا يملك أوراق ثبوتية.. المفترض ومن الواجبات المناطة بالممثليات أن تقوم هي مقام الأشخاص وتذلل كل الصعاب والمشاكل التي تواجههم.. ومن هنا نطالب كل من يعرف شيئاً عن العم عبدالله عثمان وكذلك كل سفارات السودان بالخارج للبحث عنه وفي كل مكان والتواصل مع أسرته الحائرة. [email protected]