رحل عن دنيانا الرفيق الصديق العزيز المناضل عبد الفتاح فرح ليلحق بركب الشهداء العظام الذين فقدناهم فى الفترة العصيبة الحالية التى تعيشها البلاد وهي أحوج ما تكون لعطائهم وقدراتهم على التصدى وتحمل أصعب وأخطر المهات بثبات وعزيمة وإرادة لا تلين أمام صعوبات الحياة اليومية التى طال أمدها. كان عبد الفتاح فرح وهو فى ريعان شبابه واحداً من كوكبة المناضلين الذين أدركوا أن الحياة لا قيمة لها إذا لم يكن الإنسان منسجماً مع نفسه ومدركاً لدوره ورسالته التى أعد نفسه لتحقيقها. كان يعلم قولاً وفعلاً أن السير على درب النضال من أجل رفعة وتقدم الشعب السودانى والإسهام فى تحقيق هذا الهدف النبيل يتطلب العلم والمعرفة. تحققت أولى أمنياته وتطلعاته عنما تحصل على منحة للدراسة الجامعية فى جمهورية ألمانيا الديمقراطية التى نكن لها نحن الذين درسنا فى معاهدها وجامعاتها وعشنا بين شعبها كل الاحترام والتقدير ونحتفظ لها بمكانة خاصة فى ذاكرتنا ووجداننا. إلتقينا لأول مرة مع الراحل عبد الفتاح بمعهد تدريس اللغة الألمانية فى مدينة ليبزج. كنا مجموعة صغيرة من الطلاب السودانيين مقارنة مع أعداد الطلاب الوافدين من معظم بلدان العالم. تميز عبد الفتاح بالجدية والمثابرة فى دراسة اللغة والعلاقة الطيبة الحميمة مع الآخرين. تفرقنا إلى الجامعات والمعاهد حين وجد عبد الفتاح مكانه فى جامعة العلوم التقنية فى مدينة درسدن التى تعتبر من أعرق الجامعات فى ألمانيا بشقيها فى ذلك التاريخ. إتضح أن عبد الفتاح كان معداً نفسه تماماً لدراسة الهندسة فى جامعة تعتبر من أصعب الجامعات. أمضى عبد الفتاح سنين الدراسة فى هدوء تام وقدرة خاصة على التحصيل واجتياز الامتحانات بعد انتهاء سنوات الدراسة والتخرج قرر العودة فوراً للوطن على الرغم من أن فرصة مواصلة الدراسة فوق الجامعية ونيل شهادة الدكتوراة كانت متاحة له. لم يقتصر نشاط عبد الفتاح اثناء اقامته فى مدينة درسدن على الجانب الأكاديمى بل كان ناشطاً سياسياً واجتماعياً بين الأجانب خاصة الأفارقة والعرب حيث كان ممثلاً لاتحاد الطلاب السودانيين العام فى المانيا فى الجامعة كما أنه كان أحد الكوادر القيادية فى فرع الحزب الشيوعى السودانى بألمانيا. باختصار يمكن القول أنه كان شخصية سودانية مكتملة الجوانب الأخلاقية والإنسانية التى يتحلى بها أهل السودان. اليوم نحن اصدقاءه ورفاه نفتقده كثيراً وكنا نأمل أن يمتد به العمر كي ننعم بطيب عشرته ودماثة خلقه وعطائه غير المرئى للوطن. فى الختام لا يسعنى إلا أن أقدم حار العزاء للسيدة الجليله المكلومة فريال التى فقدت أعز الناس متمنين لها وللأبناء ولبقية الأهل والأصدقاء فى ربوع السودان الصبر والسلوان. ستبقى ذكرى عبد الفتاح دون شك حية فى قلوبنا ووجداننا ما دمنا على قيد الحياة. طبت مقاماً يا رفيقنا الراحل العزيز عبد الفتاح فى دنيا الخلود مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.