من باب مجبر أخاك لا بطل، منا علينا الرب بتسجيل حضور إجباري لمستشفي ابراهيم مالك، اثار تعمير أو تشيد لمباني حديثة لم تكتمل تبدو واضحة تستقبلك قبالة مدخل الباب الغربي للطوارئ، والطوارئ وما ادارك ما الطوارئ، أطباء مناوبون لا يتجاوزن اصبع اليد الواحدة، يواجهون طوفان من المرضي، ما ان يجلس الطبيب علي كرسيه الذي مضغ عليه الدهر واستنشق واستنثر، حتي تمتد اليه عشرات الأيادي بملفات مرضاهم، وكل يريد ان تنجز معاملته في التو والحين، روائح كريهة تنبعث من ارجاء المكان، بالرغم من ان البلاط يبدو شبه نظيف، والسبب يعود الي المرضي واهل المرضي الذين يفترشون ذات البلاط يتأوهون من الألم او نائمون او مشردون، وعمال نظافة في ذاك اليوم مقرفصين علي الأرض كأنهم تجار عملة، والعديد من الأجهزة الطبية بالطوارئ معطلة ونقالات المرضي متسخة وغير معقمة واغلبها عاري من الفرش. انتصفت شمس الظهيرة يومذاك، فاجتاح المكان شلال من المرضي، وأضحت الطوارئ كأنها مستشفي عسكري شيد علي عجل علي خط النار الأول لمداوة الجرحي، فصراخ النساء اللائي فقدن ذويهم، وجثة لرجل مسن لفظ روحه وطبيب منكب عليه وحوله ذووه ملقاة علي نقالة المرضي ينظر إليها كل من هب ودب، ومشهد الأطباء وهم يبذلون المستحيل للتوفيق بين الإصابات المختلفة، ولكن هيهات هيهات، المشهد الكلي يعطيك انطباع بان قطاع الصحة علي طول وعرض البلاد حلت عليه اللعنة. عمليات تخييط الجراح والبنج الموضعي للإصابات الطفيفة في غرفة الطوارئ تتم عيانا بيانا امام الجمهور وفي ذات الطواريء، وعادي تجد مجموعة من الناس متجمهرون تحسبهم يشاهدون مباراة في كاس العالم وما الأمر بذاك، بل متجمهرين لرؤية مشهد عملية جراحية لشاب مستلقيا علي نقالة، علما ان رواد المستشفي فيهم اطفال تتجاوز اعمارهم ما بين سنتين الي عشرة سنوات، وهم بيئة خصبة لالالتقاط الجراثيم والامراض الفتاكة والعدوي، فكيف بالله عليكم يا مسئولي الصحة ان تفسروا لنا هذا الوضع المقرف؟؟ أخطرنا الطبيب بان العملية الجراحية للنزيف في الراس الذي يشكو منه والدنا رحمه الله رحمة واسعة والفاقد للوعي تماما بأنها في حد ذاتها ليست بالخطرة، وهي مجانية، علما انها خارج المستشفي تكلف ما بين عشرين الي ثلاثين مليون جنيها، واخبرنا بان العملية تحتاج لخدمة إنعاش مركزة ومهيأة وهي غير متوفرة بإبراهيم مالك، كما علينا ان نشتري الأدوية وملحقاتها من حر مالنا فالمستشفي لا يقدم أدوية مجانية إلا عبر التامين، مضافا إلي ذلك علينا ان نخدم والدنا بأنفسنا قدر الإمكان، أجريت له العميلة وبدأت المسأة الملهاة، لم نعثر علي سرير أو مكان لسرير لا في غرفة الإنعاش ولا في العنابر العادية، وأصبحنا نجرجر الوالد المسجي علي نقالة من حديد من عنبر لعنبر ومن جناح لجناح، مع مراعاة وجود (دقداق) يحير في الخلاء الممتد بين عنابر جراحة المخ والأعصاب، و غرفة الطوارئ أو وحدة العمليات الجراحية!!!!! وهو خارج لتوه من عملية جراحية لنزيف في الرأس، وفاقد للوعي تماما و بعد قرابة الساعتين عثرنا علي كومة حديد داخل عنبر جراحة المخ والأعصاب في شكل سرير، الفرش غير معقم وممزق فرشنا عليها (ملاية) ثم مددنا الوالد عليها حامدين شاكرين لله. جراحي وأطباء المخ والأعصاب بإبراهيم مالك يبذلون جهودا خارقة تفوق العقل والمنطق والتصور، فالطبيب الجراح الذي مفترض ان يهيئ نفسه للعملية اللاحقة يجد نفسه فجاءة يركض من عنبر لعنبر لتركيب (كرعين) حديد لسرير لمريض درجة وعيه 7 فقط، والنائب الأخصائي لجراحة المخ والأعصاب بدلا من يذهب ليرتاح ربع ساعة من جولة علي العنابر يجد نفسه يدعو الرب ان يكون هناك سريرا خاليا في غرفة العناية المركزة لطفل حظه في الحياة كحظ جحا في علوم الفضاء، وطبيبة اخري لم تاكل منذ عشرة ساعات لانها غارقة في توفير خدمات للمرضي!!! زبده القول وخلاصته ان مستشفي إبراهيم مالك يقدم خدمات جليلة للشعب، ويستحق الأجود في كل شيء، ولكن للأسف إهمال الدولة وشح الإمكانيات وعدم توفر البيئة الصحية يجعله وصمة عار علي جبين وزارة الصحة ومن يهتم بالصحة، ولو ان مستشفي إبراهيم مالك ب(الشكل الذي تحدثنا) كان في دولة أوربية تحترم شعبها فانه و مما لا شك فيه وزير الصحة في تلك الدولة سيكون امام خيارين، اما ان يحشو مسدسه ويطلق الرصاص علي رأسه منتحرا، او ان يستقيل. [email protected]