في نهاية سبتمبر 2011 كان الرئيس اليمني المشير علي عبد الله صالح يجلس في مكتبه بالقصر الجمهوري الغضب يكسو وجهه ويده مضمدة اثر الهجوم الذي استهدف حياته..ارتفعت وتيرة صوت الرئيس اليمني حينما سأله مراسل الواشنطن بوست ان كان بإمكانه التنازل عن السلطة دون اشتراط ابعاد خصومه من الجنرالات الذين شقوا عصا الطاعة عليه..رد صالح سيكون هذا انقلاب ..لاحقا عالجت المبادرة الخليجية هذا الامر قبل ان يعلن الرئيس علي صالح تنحيه من منصب رئيس الجمهورية لنائبه عبد ربه هادي منصور. قبل ايام اعلن رئيس الجمهورية ان الانتخابات قائمة في موعدها في ابريل 2015 وليس هنالك ما يدعو لتأجيلها ..تصريح الرئيس ترجمته اللجنة القومية للانتخابات الى برنامج عمل حيث اكد المتحدث باسمها الدكتور صفوت فانوس ان عملية التسجيل للانتخابات ستبدأ في اكتوبر المقبل..وكانت الحكومة قد استبقت كل ذلك بتبني تعديل قانون الانتخابات بحيث يكفل التعديل مشاركة اكبر للأحزاب المعارضة..الحزب الحاكم يخشى ان تصبح شرعيته في الحكم محل تساؤل *ان حدث فراغ دستوري.. لهذا يريد الفصل بين ملف الاصلاح وملف الانتخابات . المعارضة من جانبها رفضت كل الخطوات المؤدية للانتخابات.. بل ان الاحزاب الاكثر حماسا للحوار قالت ان ملف الانتخابات سيكون على مائدة الحوار.. بينما الاحزاب المعارضة الاخرى بما فيها حزب *الامة اعلنوا مقاطعتهم للانتخابات ان جاءت كاستخقاق دستوري .. هنا تحاول المعارضة وضع البلد في خانة الحوجة لحكومة انتقالية. حسنا.. المسافة ليست بعيدة بين حزب يخشى المساءلة ومعارضة تنشد السلطة..من حسن الحظ ان هنالك حل قائم على مبدا التنازلات.. نموذج اقرب للنموذج اليمني وغير بعيد عن الكيني..الفكرة تقوم على قيام انتخابات رئاسة الجمهورية وتأجيل البرلمانية..يتم التوافق على مرشح جديد يقدمه المؤتمر الوطني ولا تعارضه أحزاب المعارضة..المرشح الفائز بالإجماع السكوتي يتعهد بإصلاحات تقتضي استحداث منصب رئيس وزراء او زيادة سلطات مجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الجمهورية ولا يملك فيه الا صوت الترجيح . في الناحية الاخرى تأجيل الانتخابات البرلمانية ..وذلك لسببين.. الاحزاب المعارضة ليست جاهزة للنزول الى الملعب لمنافسة حزب احتكر الحياة السياسية لربع قرن من الزمان..الامر الثاني استمرار البرلمان الحالي يمكنه من اجراء التعديلات الدستورية المتفق عليها بين الأطراف السياسية..حتى يتم توازن السلطات ينبغي اعادة تشكيل الغرفة الثانية من البرلمان من جديد بحيث يكون للمعارضة صوت غالب..من السهولة اعادة بناء مجلس الولايات باعتبار ان أعضائه غير منتخبين مباشرة من الشعب.. هذا المجلس بالتصور الجديد يحتاج الى تقوية صلاحياته بحيث يكون له حق نقض تشريعات المجلس الوطني الحالي. الادارة القادمة برئيسها المنتخب ومجالسها التشريعية ومجلس وزرائها تنتهي مهمتهم في غضون عامين.. بعدها يقدم الرئيس استقالته ويعلن عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة ..فترة العامين كفيلة بمعالجة اثار الشمولية..في ذات الوقت تسمح للأحزاب المعارضة بالتقاط الأنفاس ..الأهم من ذلك سيعيد العالم من نظرته لبلدنا. هذه التسوية تطمئن الحزب الحاكم ان لا احد يتربص به حتى لا يزداد (كنكشة ) في السلطة وفي ذات الوقت تمنح المعارضة فرصة التصويب والتصحيح دون انتظار انتفاضة شعبية او انهيار كامل للنظام تحت وطأة حركات عسكرية ليس لها من السند الا البندقية . في تقديري ان فكرة التنازلات المتبادلة أنقذت كينيا من مصير الحرب الاهلية .. وان ذات التجربة كفلت لليمن حفظ مؤسساته القومية برغم ما أصابها من وهن. بصراحة .. تطويرالأنظمة الشمولية افضل من إراقة دمائها في الشوارع كما حدث في ليبيا.. بلادنا هشة التكوين ولا تحتمل اثار عملية تغيير عنيفة..لهذا ربنا يكون الإجماع السكوتى خيارا يجنب امتنا ما حاق بأمم قريبة منا وشعوبا محاورة لنا. ( التيار ) [email protected]