لم تشهد صحافتنا القديمة على الأقل على عهد بداياتنا فيها وأقراني الميامين وقتها وحتى في أيام هيمنة الإتحاد الإشتراكي المايوي على مفاصل إدارتها ونهج تحريرها أية إختناقات رقابية أو مضايقات قبلية أو مصادرة بعد النشر أو تجريد كتابها من حق نقد النظام أو قل توجيهه من منطلق ما يدور في الشارع حول سياساته الشمولية ! فقد شهدنا في هبة شعبان أغسطس 73 التي اشعلتها زيادة السكر بضعة ملاليم ، أن تقدم الأستاذ الراحل الفاتح التيجاني طيب الله ثراه باستقالته من رئاسة مجلس إدارة وهيئة تحرير الأيام العملاقة وهو الذي كتب إفتتاحيتها يومها مطالباً الرئيس نميري بالغاء تلك الزيادة نزولاً عند ضغط الشارع الملتهب وقد طلب منه الأستاذ بدر الدين سليمان أمين الفكر والمنهجية بالإتحاد الإشتراكي أن يعتذر عن تلك الإفتتاحية باعتبارها تزيد الشارع تأليباً على النظام وتطعن في مصداقية الرئيس وكبريائه إذا ما تراجع عن قراره ، ففضل الفاتح بشجاعة وطنية أن يتنحى وهو يقف مع الحق ! لم تكن هنالك إعتداءات على الإطلاق تستهدف الصحفيين من أجهزة الأمن ولم يتعرض أحدٌ لمهاجمة من أيٍ كان تفضي للأذى ولو كان بسيطاً ، اللهم إلا تلك الملاسنات أو الإحتجاجات التي يتقدم بها بعض المشاهير من السياسيين والفنانين وأهل الرياضة أو الأدب إذا ما مس أحدهم أو إحداهن شيء من النقد يرى أن فيه ظلماً بيناً لا يستند الى حقائق ، فتفتح لهم الصحيفة مساحاتها للرد بكل أريحية ! ولعل من أشهر المساجلات التي أثرت الساحة على سخونتها ومخاشناتها أحياناً وشغلت الرأى العام حينها ما كان بين الأستاذين عمر مصطفى المكي وصلاح أحمد إبراهيم أو تلك التي أناب فيها البروفيسور عبد الهل الطيب تلميذه الأستاذ طه حسين الكد للرد على الأستاذ أبوامنه حامد ..رحمهم الله جميعاً ! ولعل من أطرف ما تعرضت له جريدة الأيام من هجوم مسلح بالعصي ذلك الذي حدث لزميلنا الأستاذ محمد على الكردي الذي تقصده أصحاب وصاحبات الأنادي على خلفية نشره تحقيقاً صحفياً عن ثقافة الإنداية والممارسات التي تتم داخلها وفي محيطها وقد دخلها متخفياً لسبر أغوارها و كشف اسرارها، وحينما إكتشف المعنيون الأمر بعد نشر التحقيق المصور ..حاصروا الصحيفة مدججين باسلحتهم المتاحة مما أضطر الإدارة الى تهريب الكردي عبر السور الخلفي ! وذلك يذكرنني بطرفتين في هذا الصدد بعيداً عن مجال الصحافة وقريباً من الأجواء الفنية والأدبية فالشيء بالشيء يذكر ..! فبعد حادثة إغتيال الفنان الراحل خوجلي عثمان داخل الدار قامت إدارة نادي الفنانين بعمل التحوطات اللازمة للتحقق من شخصية كل من يدخل اليه بطلب إبراز بطاقة العضوية للمنتسبين له او الهوية الشخصية للزواروتسجيل بياناتهم والغرض من الزيارة الخ ! ويقال ان الفنان الكبير كمال ترباس بعدها و بينما كان يهم بدخول النادي إستوقفه بائع ترمس كان رأس السكين التي في ذراعه يبدو بارزاً من كم قميصه البلدي ، فسأل فنانه المفضل على مايبدو فرحاً وغير مصدق من فرط إعجابه بعد أن حياه إن كان هو حقيقة الأستاذ ترباس ؟ فرد عليه ترباس وهو يسرع الخطى بالدخول ..أبداً ياسيد أنت غلطان ..أنا حنان بلوبلو ..! وهي طرفة شبيهة بالتي حدثت لشقيقي الظريف المهندس عبود عقب حادثة الإعتداء على صديقنا الشاعر التيجاني حاج موسى في لندن إثر مشادة كلامية في ندوة عامة ! فاستبطأ أحد المارة أخي عبود جاذباً إياه من سترته برفق نسبة للشبه الذي بيني وبينه ، سائلاً إياه ، إن كان هو الشاعر محمد برقاوي أو أخوه ..فرد عليه عبود وحادثة الشاعر التيجاني في مخيلته ..لالالا يا طيب أنا أخو اللاعب الدكتور محمد حسين كسلا.. وهو ..وهذا ما يشرفني كثيراً يجمعني به شبه في الوجه نبهني اليه الكثيرون ! وكانت أيام يا سودان الأمس ..والله زمان يا صحافة..! [email protected]