لم تبقى من الحرية فى غزة الا جدران صماء محصورة بين عدو جبار غاشم وبحر سحيق الاغوار ...ممتد بامواجه الزرقاء يضرب على صخور شاطىء متوجس من المجهول القادم انها غزة سجن فى دولة او مدينة فى سجن زنانة مقفولة وايادى محاصرة مغلولة هكذا حالها المحزن اعتقال دائم بدون اعلان للافراج لا تعرف من التحرير الا الاسم و من الحياة الا الرسم ومن الابتهاج الا القتل واالعدم ومن الامن الا الكوابيس والجرح والالم... الخوف يقطن اطرافها ويكبل حالها ولا يعشعش على اشجارها الا الترقب والحذر فحتى الطيور لاتأمن على صغارها من مكر اليهود من الدمار المتربص... تسمع صراخ الاطفال وعويل النساء وانفجار الصواريخ المرسلة الى مدينة لاتكاد تجفف دمعة حتى تذرف دماءها ..دموعا... صواريخ تخنق ضحكات الابرياء فتحيل الابتسامات الحلوة الممراحة الى بكاء وصراخ ونزيف تدك بكل معانى القسوة المنازل لتفتت اعضاء الابرياء داخلها. ويظل صمت العالم المتفرج الشاهد الذى لايريد ان يرى ويشهد على بشاعة الجرائم البشعة وهكذا يتسع مجال الصمت كما يتسع الجرح الغائر فى قلب فسطين ... محمود البقال فلسطينى ينمو فى داخله الاستيطان ليبتلع منه سنوات عمره كرهت نفسه مشاهدة بنى اسرائيل فى شوارع وطنه شياطين بؤس تستبيح الانسانية وتقتلع منهم امانيهم انها اسرائيل التى تكتحل بالغدر والقسوة وسؤ النية ورداءة الطبع هكذا تمضى الحياة بمحمود وهو يتوجس الشر الاتى لامحالة من خلف تلك الجدران التى تحيط بغزة فلم يبقى لهم من الوطن الا بيت صغير محفوف بالخوف والانتظار ولا يملك محمود الا الدعوات الدائمة ان يعود الى منزله ويجد زوجته واطفاله الاربعة اغلى ماعنده فى امن وعافية ... محمود كما اعتاد ان يبكر فى الخروج من بيته فى شوارع غزة طلبا للرزق ترك اطفاله يغطون فى نوم عميق بين احلام طفولية وبراءة ملائكية... حتى الصباحات فى غزة رغم الهدوء تظل الاعصاب مشدودة فالهواجس لاتبارح القلوب فالعدو الكامن متربص بهم لايبحث عن سبب مثل الثعلب حينما طلب صداقة الدجاجة فلما اصبحا فى منتصف البحر على مركب قال الثعلب للدجاجة لماذا تثيرين الغبار فى هذه المركب؟؟ فاجابته الدجاجة بكل تهذيب وهل فى المركب تراب حتى اثير الغبار ايها الثعلب فانقض عليها بكل قوة وشراسة وهو يتمتم قائلا وهذه هى الفصاحة التى تدفعنا الى قتلكم واكلكم . وكما تأخد الايام برقاب بعض فما اقسى الرياح التى تهب على غزة بدون اسئذان وتخلف الاحزان ومحمود فى بقالته يباشر عمله واسرائيل للامنين بالمرصاد وهى ترسل صواريخ الغدر لتجعل من البيوت الامنة قبورا فالرحمة منزوعة من جذور قلوبهم . سمع محمود كغيره من اهل غزة سمع اصوات الصواريخ وهى تخترق الافق ثم تستقر وسط الاحياء تبعثر الاجساد وتترك البعض تحت الركام اصاب محمود الخوف على اسرته الصغيرة رغم انه لم يخاف على نفسه فقد فارق الخوف قلبه منذ ان قتلت اسرائيل عائلته الكبيرة . اغلق بقالته واسرع محمود متجها الى بيته تلاحق سمعه اصوات الانفجارات المتكررة المدوية فيزداد اضطرابه وقلقه على زوجته واطفاله الاربعة. لم يكن محمود يحتاج لمن يخبره بما حدث فقد تسمرت اقدامه حينما شاهد منزله وقد دكت اركانه الصواريخ الاسرائلية رأى اشلاء اطفاله متناثرة وماتبقى من زوجته وضعت جثث الاطفال الاربعة مرصوصة ومعهم امهم حاول محمود ان يتكلم لم تخرج الكلمات من حلقه ولم تسعفه انفاسه المتلاحقة سقط على الارض وقد تهالكت قواه وتبعثرت احاسيسه وطاقته التى تحمله انهار تماما تمنى لو كان جسده قطع بين اشلاء اطفاله ... بكى محمود حتى انقطع صوته من البكاء شرب محمود الدموع دما ...ولكن العالم يامحمود لايحرك ساكنا ...فاليد التى فى الماء لن تكون كاليد التى فى النار [email protected]