بسم الله الرحمن الرحيم ..وحنتوب أيضا الإسم ‘ كلية غردون التذكارية ‘ تقرر ان يحتفظ به لمؤسسات تعليمية عليا . " الكلية " التي سبقت إلى حمل نفس الإسم كانت في أمدرمان ، تقرر أن تتحول إلى مدرسة ثانوية ، وأن تقسم تلك المدرسة الثانوية إلى مدرستين ، وان تقام المدرستان بعيدا عن المدينة ، وعلى بعد قريب منها ، بحيث يستفاد من ذلك القرب والبعد مجتمعين في خدمة المدرسة وطلابها . بداية العام الدراسي في يناير1946 شهدت ميلاد المدرستين : وادي سيدنا وحنتوب . في توزيع الطلاب الملتحقين بالدراسة الثانوية بين المدرستين ، كان لحنتوب ، القادمون من الغرب والشرق ووسط السودان : أي من مديريات دارفور وكردفان وكسلا والنيل الأزرق . جدير بالذكر أن مرحلة الثانوي تسبقها مرحلة المدرسة الوسطى وأن دارفور لم تكن بها مدرسة وسطى ، وأن كردفان كانت بها مدرسة وسطى واحدة مقرها الأبيض وأن النيل الأزرق كانت بها مدارس وسطى في مدني ورفاعة والدويم ، وأما كسلا فلقد كانت بها مدرسة وسطى واحدة في بورسودان . هذه جميعا مدارس حكومية. مراحل التعليم كانت ثلاثة هي : الأولية والوسطى والثانوي، كل مرحلة منها تمتد لأربع سنوات. الطلبة في حنتوب كانوا في دار غير دارهم لذلك كانت المدرسة تعد لهم جميعا المأوى وتوفر لهم الطعام ( الداخليات) . في أم درمان كانت الداخليات مساكن مؤجرة في أنحاء غير بعيدة من المدرسة . ما يحضرني ، أنها تحمل أسماء كرومر وينجت أرشر كوكس . فلما سرنا إلى حنتوب استبدلت تلك الأسماء بأسماء المك نمر الزبير عثمان دقنة أبو عنجة النجومي. بدأنا حنتوبا بنهرين ، 28 طالبا للنهر الواحد ، فطلاب حنتوب جميعا في البداية كانوا x42x 28= 224 . الفصول الدراسية احتفظت بنفس الأسماء التي كانت عليها في أم درمان . تحضرني أسماء ابن سينا ... ابن بطوطة ... لنكولن ... ماجلان ... بتهوفن ... وكوري . في مارس / أبريل 1946 انتظمت العاصمة مظاهرات لمناسبة سياسية ، فاشترك فيها طلاب حنتوب بأم درمان ، فقررت الإدارة أن الجو ما عاد صالحا للدراسة فأغلقت المدرسة ، واشخصتنا جميعا إلى ذوينا خارج ام درمان . في يونيو/ يوليو من نفس العام وصل أولياء أمورنا إشعار بأن المدرسة ستفتح أبوابها في أغسطس ، وأن الطلبة القادمين من الغرب والشرق ينبغي أن يصلوا مدني في تواريخ حددت ، وأن طلبة النيل الأزرق، عليهم أن يكونوا بحنتوب في تاريخ حدد بحيث يتوافق مع التواريخ المحددة لقدوم الباقين ، وأن الرفاص الوحيد لنقل الطلبة والمدرسين بين مدني وحنتوب سيعمل في ساعات حددت لتتواءم مع رحلات القادمين إلى مدني بالقطار ، والمتحركين من مدني صوب حنتوب. مدني كانت ولعلها لا تزال عاصمة مديرية النيل الأزرق ، ومحطة للقطار المتجه من الخرطوم غربا إلى الأبيض عن طريق كوستي أو شرقا إلى كسلا وبور سودان عن طريق خزان سنار. مدني تقع غرب النيل الأزرق قبالة حنتوب على الشاطئ الشرقي للنيل الأزرق . مع مدني كانت ذكريات من الشباب . فلقد كنت في أول رعيل بدأت به حنتوب مسيرتها ، جئنا حنتوبا ولم يكتمل بناؤها ، وهي مأوى للزواحف السامة والحشرات ، وعانينا فيها خريفا غزير المطر ، لم تحمنا غرف الداخليات من مضايقاته ، وكنا نفزع إلى مدني لنجدد عزم المواجهة ولنكسر رتابة الإقامة المتصلة في حنتوب . كانت أياما فيها القسوة و اللين ، فيها اللذة والألم ، بيد أني مع شوقي : أقول لأيام الصبا كلما نأت ÷÷÷ أما لك يا عهد الشباب معيد" بقي علي ان أبين أن الفزع إلى مدني كان متاحا لبعضنا على فترات دورية . ذلك وجه من وجوه حنتوب يوم جئناها . ولكن لحنتوب وجها آخر ألذ له . لقد كانت حنتوب دارا رحبة احتوت مئيننا . عشنا فيها سنوات أربع ، نختلف جميعا إلى نفس الأماكن : الداخليات ... قاعة الطعام .... فصول الدراسة ...وملاعب الرياضة . ‘الملح والملاح‘ الذي طعمناه جميعا - فقد كنا نطعم من قدر واحدة - به كان لحنتوب دين في أعناقنا ، وبه توثقت عرى المودة والإخاء بيننا ، فصداقات العمر كانت بداياتها من حنتوب، جذورها قد نبتت في تربة حنتوب ، و ما كان بعد حنتوب ... زمالات عمل جئنا عليها في درب الحياة ورحلتها . حنتوب . . ذكراها عادتني ، وفي قول ود القرشي من حنجرة الشفيع الذكرى " لا تنسى " ، وفي شعر شوقي : هي صدى السنين الحاكي . ودعاؤنا .. يا ليتنا لم نكبر ولم تكبر الإبل. صالح فرح ،حنتوب دفعة 1949 [email protected]