"الاطماء" القاتل الاول لمشروع الجزيرة اغلقت الطرق والمسارات حينما تبددت مؤسسة الحفريات المزارعون يتجهون للقطاع الخاص بحثا عن معالجات اعداد /هاشم عبد الفتاح ربما هو تدارك اخير أن تلتفت الحكومة وعلي مستوي رئاسة الجمهورية وتقود نشاطاً مكثفاً وفق رؤية جديدة وعملاً مرتباً لنهضة وتطوير مشروع الجزيرة . ودون الدخول في تفاصيل المشاكل الكثيرة التي ظل يعاني منها المشروع منذ فجره في العام 1925 .فهناك مشكلات ورثتها الحكومات الوطنية من سياسات ومنها ما كان بفعل تقادم الزمن وأمراض الشيخوخة وهناك إشكالات ظلت تتراكم حتى وصلت حد الظاهرة أو المرض المستعصي . ومن خلال الملاحظة والمشاهدة والمعايشة وقفت "الانتباهة" علي ظاهرة يبدو في ظاهرها انها بسيطة او طبيعية ولكنها في حقيقة الامر تعتبر خطرا كبيرا ظل يهتك في المشروع ويفقده كل ملامح الحياة وقد لا يدرك القائمين علي الامر حجمها أو درجة خطورتها إلا الذين يقطنون داخل مشروع الجزيرة أو الذين عملوا فيه ، وهي ظاهرة تراكم الاطماء علي جسور قنوات الري والقناطر والكباري حتى غدت جبالاً وتلالاً تعكس صوراً مخيفة ومغلقة ومزعجة جداً "والانتباهة" حرصت علي فتح هذا الملف علها بذلك تظهر حجم المشكلة الحقيقية التي يعاني منها مشروع الجزيرة حتي تكون بذلك هاديا ومرشدا لوضع الحلول والمعالجات حيث ابرزت الدراسة الحديثة التي اجراها الخبير الاقتصادي محمد الطيب محمد حول مشكلة الاطماء بمشروع الجزيرة بتحكيم من مركز البحوث والدراسات الاقتصادية بجامعة القران الكريم وشملت الدراسة كافة اقسام المشروع واستنطقت المزارعين وخبراء الري والزراعة ووقفت الدراسة ايضا علي حجم وطبيعة المشكلة ميدانيا وكانت المحصلة كل هذه الحقائق المخيفة والقاتلة للمشروع . اختناقات الري ..بداية المرض تشكل عملية تراكم الاطماء كناتج طبيعي عمليات تطهير الترع من الاطماء التي تحملها مياه الري في فصل الخريف من كل عام حيث يتم التطهير بواسطة الحفارات (الكراكات) وبإشراف من سلطات الري وكانت هذه العملية تتم بصورة عادية ومنظمة منذ قيام المشروع عام 1925م. وكانت القناة تطهر كل خمسة سنوات أو ثلاثة سنوات كحد ادني حسب نوع القناة ونسبة الترسيب فيها حسبما أفاد المختصون . إلا انه وبعد حقبة السبعينيات من القرن الماضي وهي الفترة التي تم فيها تطبيق سياسة التنوع الزراعي كما اشار الخبير جلال الدين محمود يوسف في كتابه ( مشروع الجزيرة القصة التي بدأت) ظهرت تشكيلة من الحشائش في قنوات الري وبشكل رهيب وهي من النتائج التي كانت متوقعة بسبب تنويع المحاصيل وتكثيف زراعتها وبالتالي زيادة استعمال مياه الري. وفي الجانب الأخر عدم مواكبة علميات تطهير القنوات وإزالة هذه الحشائش منها ، وادي تفاقم مشكلة الحشائش بدوره الى زيادة تراكم الطمي سنة بعد أخرى وبدأت اختناقات الري هنا وهناك تطل برأسها وساعد علي تفاقمها في تدهور حالة آليات ومعدات الحفر والتطهير. وعليه تكون سياسية التكثيف الزراعي قد أسهمت كثيراً في زيادة ترسب الطمي داخل القنوات وبصورة أعاقت عملية الري ومن ثم زيادة عمليات التطهير عما كانت عليه وبذلك أصبحت عملية التطهير للقناة الواحدة تتم كل عام بدلاً من ثلاثة أو خمسة أعوام كما كان في الماضي. فزادت بذلك كميات الطمي المستخرجة من القناة. اغتيال مؤسسة الحفريات ..! وفي الآونة الأخيرة فقد استعان المشروع باليات القطاع الخاص خاصة بعد خصخصة مؤسسة الحفريات والتي كانت تقوم بعمليات التطهير فنشط القطاع الخاص في هذا المجال وازداد عدد الحفارات والكراكات العاملة داخل المشروع بصورة كبيرة نتيجة لزيادة الحاجة للتطهير بزيادة حجم الطمي المترسب . علما بان هذا الطمي المستخرج من هذه القنوات كما اشارت الدراسة بطول أكثر من 15.500كلم ظل منذ بداية المشروع وحتى تاريخه، لم يتم سحبه وظل طوال هذه الفترة(88) عاماً يتراكم علي جسور هذه القنوات. الجبال تغلق المسارات ..1 ومع تعاقب السنوات في ظل ضعف عمليات النظافة والتطهير كانت النتيجة أن هذا الطمي ظل يرتفع كما الجبال حتى ترهل وزحف علي الطرق والمسارات الموازية لهذه القنوات حتى غمرها تماماً ،مما حدى بأن تكون حركة المرور داخل المشروع فوق جسور هذه القنوات أو ما يعرف في الجزيرة (بالإسكيفات ) خاصة في فصل الخريف . علماً بأن سلطات الري كانت والي عهد قريب تمنع سير المركبات فوق الترع حفاظاً علي سلامتها . ولكن بعد أن تسببت هذه الاطماء المتراكمة في قفل الطرق والمسارات لم يكن هنالك من سبيل لحركة المرور إلا فوق جسور هذه القنوات . خاصة في فصل الخريف ولم يعد لسلطات الري القدرة والاستطاعة لمنع هذا الأمر ومراقبة هذه القنوات . واستبيحت بذلك جسور القنوات خاصة بعد الزيادة الكبيرة في عدد الآليات والسيارات و المركبات وزيادة حركة السير داخل المشروع بين القرى والأسواق مما احدث الكثير من الخلل في بنيات الري ( الكباري والقناطر والمواسير )هذا بالإضافة إلى الآثار الجانبية السالبة الناتجة عن أثر الغبار المتصاعد جراء هذه الحركة علي تلوث النبات وإحداث آثار صحية للإنسان والحيوان . محاولات بائسة ..! ورغم خطورة ما حدث لمشروع الجزيرة من تدهور وانسداد قنواته الا ان محاولات الاصلاح باءت بالفشل وحتي اللجان المختصة التي كونتها الحكومة للنظر في قضايا المشروع لم تقدم الوصفات العلاجية النهائية لامراض المشروع ، ولكنها افلحت في ان تضع يدها علي كثير من جوانب الخلل وقدمت الكثير من التوصيات المفيدة واقترحت العديد من المعالجات وقدمت افكاراً جديدة من شأنها أن ترتقي بأداء المشروع . غير أن إنفاذ هذه الحلول وتطبيق هذه المعالجات خاصة فيما يتعلق بقضية الري يجب أن يكون تأهيل بنيات الري فيها هو الهم الأول الذي يجب أن يبدأ به وأول خطوة في تأهيل بنيات الري يجب أن تكون في كيفية التخلص من هذه الاطماء لأن هذه التراكمات من الاطماء سوف تكون معيقة لأى جهد يبذل مهما كان قدره وأهميته خصوصا ان ظاهرة تلال الاطماء بمشروع الجزيرة قد أصبحت مرض لأبد من علاجه حتى يتعافي المشروع. فهي ظاهرة مخيفة ومعيقة ومكلفة . مشروع بلا هوية ..! ويبدو ان الحقائق التي توصلت اليها الجولة الميدانية التي قام بها الخبير محمد الطيب ووثقها في دراسته تعتبر مخيفة في مظهرها وأثرها ، فقد طمرت تلال الطمي كل بنيات الري من كباري وقناطر ومواسير وأغلقت الطرق والمسارات وأحدثت الكثير من الخلل في شكل وخريطة المشروع وطمس معالمه. ومعيقة لكونها أعاقت عمليات التطهير بالصورة المطلوبة بل أصبحت مصدر خوف وغلق لأصحاب الحفارات من أن تسقط داخل القناة نتيجة لعلو جسر القناة كما أنها أعاقت حركة السير والمرور داخل المشروع نتيجة لقفلها للطرق والمسارات كما ذكرنا آنفاً. وأنها مكلفة أذا علمنا أن مجموع أطوال القنوات والمصارف أكثر من 15.500 كلم . أن لم نقل كلها فمعظمها يحتاج لمعالجات من آثار هذا التراكم إمَا بجرفه أو سحبه والتخلص والاستفادة منه ، وهذه التكلفة العالية تحتاج لأموال طائلة و قوة بشرية كبيرة قد لا تستطيع الحكومة بمفردها توفير كل هذه المعالجات ولكنها مطالبة بوضع رؤية وفكرة جديدة لانقاذ المشروع ولهذا فان الخبر الذين يقترحون علي الحكومة طبقا لهذه الدراسة حزمة من المقترحات والافكار يمكن اجمالها في الأتي .. سكة الخروج ..! أولا أن يدخل المزارع كشريك في تمويل وإسناد هذا العمل عن طريق تنظيم المزارعين في شكل جمعيات تعاونية أو في شكل مجموعات تكون أما علي مستوي التفتيش أو القسم بحيث يساهم كل مزارع في التكلفة الكلية لشراء الآليات ومصروفات التأهيل وأن يسند لهذه الجمعيات تمويل الترع الفرعية وأن تقوم سلطات الري بالجانب الفني من دراسات وأشراف وتنفيذ. وثانياً تقوم الحكومة ممثلة في سلطات الري بتنفيذ الترع الرئيسية والقناطر الكبيرة مستعينةً بجهات التمويل المحلية والخارجية . ثالثاً: أما الترع الكبيرة أو ما يصطلح علي تسميتها بالمواجر فيكون التمويل والعمل فيها جهداً مشتركاً بين الحكومة و المزارعين. وامنت الدراسة علي أن هذا العمل يعتبر عملا كبيرا ولكنه يحتاج الي جهد مضاعف والي ميزانيات والي قرارات وحزمة اجراءات وترتيبات جديدة ولكن اخطر ما اقرته الدراسة وحزر منه الخبراء انه كلما مر الوقت زادت مخاطر هذه الظاهرة وازداد تراكم الاطماء وزادت آثارها السالبة كما ذكرنا وارتفعت التكلفة أكثر عاماً بعد عام . وبعد أن تمكنت الحكومة من معالجة نقص مياه الري بالمشروع عن طريق ملحمة تعلية خزان الروصيرص فيجب أن يتبع هذا العمل بإصلاح وتحسين مواعين الري حتى يستطيع القائمون علي إدارة المشروع من أحسان إدارة مياه الري في القنوات وداخل الغيط كما كان الأمر في بدايات عهد المشروع . [email protected]